قد يكون دخان بيروت الأسود وزيارة الرئيس ماكرون أكبر صفعة لطبقة سياسية حكمت لبنان منذ التسعينات. ولم تكن زيارة ماكرون إلّا لتأكيد المؤكّد وهو، انّه لا ثقة مطلقاً بهذه الطغمة الفاسدة والتي ما زالت تتحكّم بمفاصل الدولة وتتقاسم ثرواتها.
المؤكّد انّ الرئيس الفرنسي يعرف تمام المعرفة ما يجري عندنا، وقد أكّد انّ المساعدات لن تصل الى هذه الطغمة الفاسدة التي أمعنت في البلاد فساداً.
جاء حادث مرفأ بيروت ليثبت عدم المسؤولية والاستخفاف بحياة الناس، وعدم وجود اية محاسبة أو إعادة تقييم أو استقلالية. والمشكلة، انّ إصدار الحكم على بعضهم لن يزيل جرح بيروت، ولن يغيّر في واقع ما حلّ بسكانها.
لا بدّ من القول هنا، انّ زيارة ماكرون جاءت لقلب الطاولة على المنظومة السياسية بأكملها، وأظهرت عدم ثقة الشعب اللبناني بسياسييه وطبقته الحاكمة.
يواجه البلد اليوم مرحلة مفصلية اقتصادياً وسياسياً، وعلينا تلقفها والسعي الى التغيير الحقيقي وازاحة هذه الطغمة الحاكمة واعادة بناء ما تهدّم. وماكرون يعلم تمام العلم ما يجب فعله، واللبنانيون يعلمون أيضاً، إنما نحاول الهروب الى الأمام مع سلطة تتذاكى على المجتمع الدولي. الاصلاحات مطلوبة بإلحاح، وهي كما قال ماكرون بوضوح تشمل بشكل خاص، الكهرباء والطاقة ومصرف لبنان، وإحلال الشفافية والكفاءة مكان المحسوبية والتزلّم وتوظيفات غبّ الطلب. وتحتاج المرحلة الى وزراء و مسؤولين من ذوي الاختصاص والتكنوقراط، وليس كما هي حال بعض الوزراء اليوم، الذين تحوّلوا الى شعراء بلاط.
اذا أحسنا تلقّف خطوة ماكرون، سوف ينعكس ذلك إيجاباً على لبنان وعلى جميع المستويات السياسية والاقتصادية، وعلى عودتنا الى أحضان الشرعية الدولية، لاسيما وانّ الرياح الشرقية لا تفي بغرض شعب أحب الحياة والحرية لدرجة العشق، وعاش حياة بعيدة أكثر البعد عمّا يريدونه لنا.
المؤتمر الدولي الذي انعقد بمبادرة من ماكرون، سوف يساعد الشعب اللبناني في الخروج من هذه المحنة، وسيخفف الضغط على اقتصاده وعملته وينعكس إيجاباً على سعر صرف الليرة، ويجبر المتحكّمين بالدولار والمواد الغذائية على إعادة حساباتهم، لا سيما وأنّ أموال الإعانات سوف تصل، ليس عبر دولة الموز هذه، إنما بطريقة مباشرة الى الشعب اللبناني. هذا الأمر الذي يعني تخفيف الضغط على الاقتصاد والمساعدة في إعمار ما تهدّم، سوف نرى إنعكاسه مضاعفاً في الدورة الاقتصادية. فالمساعدات سوف تأتي مباشرة أو عبر مؤسسات لا تبغي الربح، أي أنّ إنصهارها في الدورة الاقتصادية سيكون سريعاً، وستظهر نتائجه على جميع المستويات.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هو كيف نرى الأشهر القليلة المقبلة مع حشد الدعم الدولي للبنان؟ من الطبيعي أن يكون ضخ المعونات بهذه الطريقة أسلم السبل من أجل إعادة عجلة الحياة الى الاقتصاد. ولا بدّ من تداعيات إيجابية على العملية ككل، لأنّ ضخ الأموال في الأسواق سوف يحتّم على مافيات الدولار بيعه، كونه أصبح متوفراً وبشكل واسع. كذلك إعادة الأعمار سوف تساعد الى حد كبير في تمكين العملية الاقتصادية من استعادة بعض حيويتها.
هذه من المسلّمات الإقتصادية. وتبقى الإصلاحات في مجال الكهرباء والقضاء والقوانين المتعلقة بالكفاءات في التوظيفات، من الامور الضرورية للسير بالعملية الاصلاحية، والتي هي من أولى متطلبات صندوق النقد الدولي والدول المانحة، ومقدّمة للإفراج عن أموال «سيدر» التي ما زالت بإنتظار إجراء هذه الاصلاحات.
المهم انّ ماكرون يعلم تمام العلم ما هي الوضعية الحالية، وما اجتماعه برؤساء الأحزاب إلاّ لإعطائهم فرصة أخيرة، وأعتقد انّ الجميع تلقفها، وعليهم مراجعة حساباتهم وإجراء تغيير حكومي ضروري، لأنّ الحكومة الحالية لم تستطع وخلال الفترة الماضية القيام بأي عمل إيجابي وإجراء أي إصلاح وما زالت تراهن على من يضمن وجودها.
لذلك، ومع إنجلاء غيوم بيروت السوداء بدأت الصورة تظهر أكثر وضوحاً، وكنا في غنى عن الذي حدث لكي يعي من هم في السلطة ضرورة انجاز الاصلاحات، ومن أهمها:
1. الإصلاحات في الكهرباء والقضاء.
2. إقرار قوانين الشفافية والمحاسبة ومن أين لك هذا.
3. الجلوس على طاولة صندوق النقد الدولي والاستماع بإمعان لشروطه مقابل الافراج عن المساعدات.
4. إنشاء صندوق سيادي يتسلمه أشخاص غير مرهونين لادارة المساعدات وتسليمها للمواطنين مباشرة.
5. إعادة هيكلة المصارف بعد إجراء التدقيق في البنك المركزي وفي كل مؤسسات الدولة.
6. إجراء انتخابات نيابية مبكرة تعيد تصويب البوصلة نحو المجتمع الدولي.
7. إنتظار عودة ماكرون لتقييم ما أمكننا إنجازه، وإلّا فالعصيان المدني لا مفرّ منه.
هذا بالمختصر الوضع الحالي، علماً اننا ما زلنا نضمّد الجراح. لكن دخان بيروت قد يأتينا بالخلاص، من قلّة تتحكّم بالبلاد والعباد، وتعيد تصويب البوصلة في الاتجاه الدولي لقيامة لبنان مجدداً.