Site icon IMLebanon

سياساتنا الاقتصادية الفذة

 

نشعر في لبنان أننا نسير من دون أي رؤية اقتصادية. كل يوم بيومه. ليس هنالك اهتمام جدي بالحفاظ وبتطوير علاقاتنا الاقتصادية الدولية. لبنان لا يمكن أن يعيش اقتصاديا فقط من نشاطات الـ 10452 كلم2.  لا بد من علاقات من والى الخارج لتشجيع الاستثمارات وتطوير الصادرات تحفيزا للنمو والتنمية. لبنان الاقتصادي أكبر من الجغرافيا بفضل المغتربين والنموذج الذي أعطيناه للعالم قبل 1975، وما زلنا نتخبط حوله منذ ذلك الحين؟ ما هو نموذجنا اليوم؟ فعلا محزن، كيفما نصفه والى أقصى الدرجات. هو نموذج الفساد والنفايات وتقييد الحريات وغياب الشفافية والمسؤوليات، كما غياب القيادات النوعية التي يمكن أن تنقذ لبنان وتحمله الى عصر التكنولوجيا والآداب حتى لا نبالغ ونقول عصر الفضاء والاكتشافات.

 

أسعار الفروج ومشتقاته كما الخبز ليست هي السياسات الاقتصادية التي تحاول الدول تصميمها وتنفيذها، بالرغم من أهميتها. الرقابة مهمة، لكن رقابة ماذا وكيف؟ المحاضر على المخالفين لا تكفي ولا نجد من يحاسب فعلا. كي تكون المحاسبة قوية وعادلة يجب أن يعرف المواطن الى أي اتجاه يسير؟ غياب الرؤية والوسائل والشفافية هي أكبر مسهل للفساد الذي يضرب كل شيء في لبنان. للأسف اذا وضعنا الاحصائيات والاستفتاءات لمعرفة نسبة اللبنانيين الذين يصدقون أن الفساد سيضرب في لبنان، لوجدنا ان النسبة قليلة جدا. هل هذا مستقبل لبنان؟

 

الى أين نسير في لبنان وما هي هويتنا الاقتصادية؟ التخبط الحاصل والمزمن سببه غياب الرؤية التي يجب أن تبحث ضمن الأولويات الحكومية. يجب تحقيق ورش عمل لوضع الرؤية التي تساعد كل أطراف الانتاج على الاستمرار وعلى التعاون. هذه الرؤية تنتقل عبر الحكومات لأنها ترتبط بمستقبل لبنان وليس بـ«عظمة» الحكومات. أجواء المواجهات الاقتصادية الحاصلة اليوم هي من أسوأ ما يكون ولا تنتج الا الخراب. هل من يفكر على صعيد قطاعنا العام بهذه الأمور المصيرية؟ نهتم حكوميا وسياسيا بتعيين موظف أكثر بكثير من اهتمامنا بما يمكن أن يحصل الشهر المقبل حتى لا نقول السنة المقبلة وما هي التكلفة. الرياح تسير في اتجاهاتها ونحن نتلقى الضربات الكبيرة دون أي قدرة على الدفاع. نتكل على الحظ وهذا قصير النظر.

 

مشاكل لبنان حكما سياسية تنعكس سلبا على الاقتصاد والمجتمع والصحة وعلى المعالجات المفترضة لخسائر 4 آب الضخمة. هذه ليست حجة أو تبرير لعدم الاهتمام بالاقتصاد وبتخفيف أوجاع المواطن. السياسة في لبنان تخرج عن أي منطق والمدهش اليوم أننا نتخبط أمام مشاكل كبيرة من دون أي احتساب للخسائر الطويلة الأمد. لا نرى السياسيين اللبنانيين يتوجعون مع المواطن في مشاكله وخسائره. هنالك نوع من الانفصال التام بين الاهتمامات السياسية واهتمامات المواطن المعيشية. من يهتم بمشاكل القطاع الخاص وعدم قدرته على الاستمرار؟ من له أي تصور جدي عملي لانقاذ القطاعات الاقتصادية؟ التقصير هو كلمة متواضعة تساير المسؤولين ولا تعبر عن حقيقة الواقع المحزن.

 

من يحلم في لبنان اليوم بمحاربة الفساد؟ التمثيليات التي رأيناها من قبل السياسيين لا تجدي لأن القدرة على التمثيل مفقودة أصلا. لا نصدق أي محاولات اذا لم تترافق بسرعة مع تنفيذ واقعي وعادل وليس عبر التجني والتعدي على المساكين فقط وان كانوا فاسدين لأن المذنب الأكبر هو السياسي الذي عين وغطى وأهمل وهدد. الكلام المنمق فقط لا يكفي. كي نصدق يجب المحاسبة العملية القضائية القاسية والعادلة لأرفع المسؤولين السياسيين المذنبين.

 

تقييم السياسات الاقتصادية في أي دولة يعتمد على معايير عدة. أولها ما هي أهدافها؟ ما هي الوسائل التي في يد السلطة التي تسمح لها بتحقيق هذه الأهداف؟ هل تعتمد تعديلا ضرائبيا؟ هل تستعمل وسائل الانفاق المركز على قطاعات معينة أو تدعم شراء مادة مهمة للمواطن كالنفط أو القمح وما هي نسبة الدعم؟ هل نجحت هذه السياسات ولمَ لا؟ في لبنان اليوم أي الغاء للدعم دفعة واحدة سيفجر الوضع ولا بد من سياسات ذكية وسطية بين القدرة المالية وتشكيلة السلع المدعومة كما النسب.

 

هنالك ثلاث مشاكل أساسية في أي اقتصاد بما فيها لبنان يجب حلها سوية لمصلحة المواطن وهي النمو والتضخم والبطالة.  أيهما أسوأ التضخم المرتفع أم البطالة العالية أم النمو المنخفض أو السلبي؟

 

في البطالة وحيث تهتم العلوم الاقتصادية دائما بكيفية زيادة فعالية الانتاج، لا بد من النظر الى المستوى الذي اذا ارتفع يضرب الفعالية العامة والقطاعية ويضر بالاقتصاد. البطالة متنوعة ويجب دراسة التفاصيل. لا يمكن تخفيف البطالة عبر تخفيض الأجور لأن ذلك يضر بانتاجية العامل. في لبنان نزيد الكتلة النقدية مع انخفاض في النمو والانتاج وهي بالتالي الطريقة الفضلى لاحداث التضخم وافقار اللبنانيين. من يهتم في لبنان اليوم بضرب البطالة ومحاربة الفقر؟ ما هي السياسات العامة الهادفة الى ذلك؟ هل نعرف النسبة الحقيقية للبطالة مفصلة مناطقيا ومهنيا وغيرها وما هو دور وزارة العمل؟ هل العمال وأرباب العمل راضون عما تقوم به وزارة العمل؟ لماذا لا يتكلمون ولا يصرحون بالحدية التي نراها في أمور أخرى كسعر الفروج مثلا؟ هل لهم توصيات محددة ويتابعونها مع الوزارة ويحاسبونها عليها في الاعلام وفي الواقع؟

 

أما التضخم فيبقى داء كبيرا ومؤلما حيث يفقر الجميع وخصوصا أصحاب الأجر المحدود. في لبنان أصحاب الأجور، بالليرة طبعا، أصبحوا جميعا فقراء. كيف تحول أجر بألوف الدولارات الى آخر بمئات الدولارات خلال أشهر قليلة لأن الليرة سقطت. اللبناني حكما صبور ويعاني صمتا ويقول ان شاء الله ما تكون أسوأ. هل هذا مقبول ولما لا نجاهر أكثر علنا بغضبنا وحزننا تماما كما يجري في بيلاروس وكما جرى في الماضي في أوكرانيا وأرمينيا وهونغ كونغ وغيرها؟ كيف نحارب التضخم؟ عبر توسيع الاقتصاد بحيث يرتفع عرض السلع والخدمات أمام الطلب. هل هنالك من لا ينام الليل من المسؤولين اللبنانيين لأن التضخم أكل الجيوب وما فيها؟

 

أوضاع الاقتصاد اللبناني سيئة لأننا نعاني في نفس الوقت من تضخم وبطالة مرتفعين مع ضعف في النمو. النمو ضعيف لأن الاستثمارات غائبة ولا رغبة بالتوظيف في لبنان لأسباب معروفة منها التعثر المصرفي المقلق. مشكلة غياب الثقة في الأوضاع لا تعالج بسهولة وقد عبر الرئيس ماكرون عنها بوضوح ودقة. هنالك أيضا سوء توزع الدخل والثروة الذي أثر سلبا على الاستثمارات وبالتالي على العمالة كما ضرب الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. نحن حقيقة في وضع لا نحسد عليه.