لا يعنينا أن تطلّ قيادات الرابع عشر من آذار بالمفرّق، كلٌّ يقولُ كلمته وموقفه، ويؤكّد لنا أنّ 14 آذار «ليست بخير.. أو ليست على ما يرام» أو يبلغنا آخر استياءه من عدم العودة إلى الساحة للاحتفال، هذه «الضعضعة» التي تجلّت بالأمس في أبشع صورها، وبالرّغم من هذه الصورة الموجعة، وبالرّغم من دعوة الدكتور سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانيّة إلى عدم جلد الذات، ورؤية النصف الملآن من الكوب، لا بُدّ لنا من أن نطرح سؤالاً واحداً سبق وطرحناه في 14 آذار عام 2012 في هذا الهامش في مقالة حملت عنوان «ماذا بقي من 14 آذار»؟!
في ذاك الصباح اللبناني من العام 2005 وبالرّغم من قرار منع التظاهر الذي أصدره وزير الداخليّة آنذاك سليمان فرنجية، وبالرغم من التهديد الذي أطلقه إميل لحود في لقائه مع وفد من نقابة المحررين وتخوفّه من «رذيل» قد يُلقي قنبلة وسط الحشود، فقد تقاطر منذ الصباح الباكر مئات اللبنانيّون قطعوا الأسلاح الشائكة للجيش اللبناني بالورود البيضاء، ليجتمع في ظهيرة ذلك اليوم أكثر من مليون ونصف المليون لبناني، من الذين استطاعوا الوصول إلى وسط بيروت، احتشدوا في ساحتي الشهداء ورياض الصلح تحت «الولاء للبنان والوفاء لرفيق الحريري» في يوم ردّ الصفعة لبشار الأسد الذي وصفنا بالحشود الوهمية فـ»كبّر له اللبنانيّون الزّوم» ونزل صفعة على وجه تظاهرة 8 آذار الغدّار وشعارها «شكراً سوريا»!!
مجدّداً يعود 14 آذار والإحباط سيد الموقف، بل أكثر من الإحباط ثمة إحساس بالقرف والقهر وسقوط بعض القيادات من عين جمهور 14 آذار، ولكن ألم يكن الحال كذلك منذ سنوات؟ بلى كان كذلك وأسوأ، يومها كتبنا «للسياسيين الذين تاجروا بجمهور 14 آذار وأصواته في الانتخابات، هذا الجمهور يعرف جيداً درجة كذب كلّ واحد منكم، ولم ينزل الشعب اللبناني إلى ساحة 14 آذار من أجلكم بل من أجل لبنان وحريته وسيادته واستقلاله، وأنكم شهدتم على التوالي وحتى 14 شباط العام 2009 أن هذا الشعب لم يتراجع حتى بعدما لزمتم بيوتكم وبحثتم عن خصومكم في السياسة ليحموكم من ميليشيات حزب الله وزعران حلفائه، فيما واجه اللبنانيون قدرهم لوحدهم ولم ينجرّوا إلى السلاح، وأنهم برغم أنف السلاح نزلوا إلى صناديق الاقتراع في حزيران العام 2009 فكانت هزيمة حزب الله وحلفائه الانتخابية مدويّة، فلا يظنّن أحد منكم أن الناس عادت أدراجها وأن 14 آذار برمزيته انتهى كعنوان كبير، أنتم سقطتم في امتحان ثقة الشعب بكم، والشعب اللبناني يفوز كلّ يوم بمعركة سيادة لبنان واستقلاله وانتزاعه من المخلب الإيراني!!»…
ونسأل: ما الذي اختلف اليوم، السياسيّون ما زالوا هم أنفسهم ومصالحها هي نفسها، أما المنطقة وسوريا تحديداً فعلى عتبة انهيار جديد، مع إعطاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالأمس أمراً ببدء سحب الجزء الرئيسي من القوة العسكرية الروسية في سوريا، اعتبارا من اليوم الثلاثاء وأنّه أبلغ بشار الأسد أننا سننسحب من البلاد، وأن القوات الروسية في سوريا أوجدت ظروفاً ملائمة لعملية السلام، وأشار إلى أن العمليات العسكرية الروسية حققت أهدافها».
ما الذي تبقّى من 14 آذار وسط دوّامة الانقسامات الداخليّة، والإمعان في تعطيل الدولة، وأدخل حزب الله لبنان في مواجهة مع محيطه العربي، الكتاب المتشائمين ما زالوا هم أنفسهم محبطين ـ وهم لا يلاموا على واقع لا يحسدون عليه ـ في 14 آذار العام 2012 كتبنا «للصحافيين المنفيين المتشائمين، قُتِل سمير قصير لأنه قال: «كبرّوولو الزووم»، وقُتِل جبران تويني لأنه رفع أيدي اللبنانيين بالقسم، نفس المشهد يستعيره الشارع السوري يومياً على الطريقة اللبنانية، هؤلاء نقول لهم: «خليكن برّا» واحتفظوا بإحباطكم لأنفسكم؛ لأن اللبنانيين الذين نزلوا إلى الساحة أثبتوا مراراً أنهم هنا كلما حانت لحظة انتفاضهم من أجل لبنان لا حُباً بزعامات هم سلفاً كانوا يعلمون أنها رهنٌ بمصالحها الشخصيّة قبل المصلحة الوطنية، وقيسوا في هذا على من تشاؤون ولا أستثني من كلّ هؤلاء الزعامات إلا رجلاً واحداً هو الدكتور سمير جعجع، رئيس الهيئة التنفيذية في حزب القوات اللبنانية، فقد أثبت الرجل للبنانيين منذ بداية الحرب اللبنانية وحتى اليوم أن كلمته وموقفه مبدئيين، وأنه يخوض معترك السياسة تحت هذا السقف فقط، وأن مصلحة لبنان فوق وقبل كل المصالح الواسعة أو الضيقة».
ما الذي تبقّى من 14 آذار؟ في العام 2012 لم يكن العثور على إجابة سهلاً، وهي اليوم أصعب بكثير، ولكن الجواب سيبقى واحداً: «ولك نحنا بقينا»… ونحن الذين سنكمل مشوار هذا التاريخ العظيم في حياة شعب لبنان العظيم.