IMLebanon

تحرير عرسال… والمخطوفين

في انتظار أن تتبلور صيغة التفاوض مع خاطفي العسكريين، وتوحّد الموقف السياسي التفاوضي وتجميع مزيد من أوراق القوة، يراوح هذا الملف وينتظر الاهالي بعد «جرعة» تطمينات تلقوها من وفد «هيئة العلماء المسلمين» الذي زارهم منذ ايام.

عدا ذلك لا جديدَ في هذا السياق سوى معطيات عن تلقي بعض الجهات الرسمية والحزبية وعوداً بوقف قتل العسكريين وإعطاء فرصة للتفاوض، مع العلم أنّ التعهّد لم يشمل الجميع، بل جاء مشابهاً للتصنيفات المذهبية والمناطقية التي يريدها الخاطفون، وقد سقط البعض في هذا الفخ القاتل الذي نصبوه لينفجر في وجه البلد في أيّ لحظة.

لم يعد الامر سراً، اذا كانت الدولة ترغب بتفاوض يفضي الى تحرير جنودها بكرامة وبلا المذلة الوطنية التي نعيشها، لا بدّ من استكمال إجراءات الجيش حول عرسال وفي داخلها، وعدا ذلك كلّ الجهود تظلّ ناقصة وضعيفة لأنّ الجهات الخاطفة ترفع سقف مطالبها بإطلاق سجناء إرهابيين وهي تدرك أنّ الدولة «خالية الوفاض» وضعيفة ومنقسمة وتفاوض باللحم الحيّ والجهود الاستثنائية التي تبذلها قيادات امنية لم تسقط بعد في دائرة «التصنيفات الارهابية» للجنود والمفاوضين وطريقة التفاوض والثمن الذي ينبغي دفعه.

فورَ بدء الجيش بإجراءات مشدَدة حول عرسال، غرّد الرئيس سعد الحريري عبر «تويتر» رافضاً ما سمّاه «محاصرة عرسال»، وهذا يعني أنّ الامر أكبر عند الحريري من ملف الجنود والامساك جيداً بالحدود، بل دخلت مصالح اقليمية يمثلها رئيس «المستقبل» على الخط وأفضت الى هذا الموقف الذي من شأنه فرملة اندفاعة الجيش ووضعه مكشوفاً في مواجهة غير عادلة ومتكافئة، حيث تقول جهات عسكرية إنّ هذا الامر يصبّ في خانة إضعاف معنويات الجنود اللبنانيين وتفقدهم الحماسة في أيّ معركة، وتسأل: كيف سيقاتل الجندي والرتيب والضابط بحماسة ومعنويات وهو يرى بعينيه الامدادات من الخبز والمازوت والمواد الغذائية تدخل الى الخاطفين عبر أهاليهم في الجرود تحت عناوين إنسانية؟! وأضافت: «تحرير عرسال مدخل لتحرير العسكريين».

لا تريد الرياض أن تخسر مجدّداً على الحدود، وملف عرسال مرتبط مباشرة بملف القلمون و»ريف دمشق»، حيث شكلت البلدة اللبنانية ذات يوم شريانَ إمداد حيوي بالسلاح والرجال نحو الريف الدمشقي وحمص ومنها الى بقية المحافظات السورية.

وفي ظلّ العمل على الإمساك بمزيد من الاوراق الميدانية على الارض السورية تمهيداً لأيّ جولة تفاوض أو طروحات سياسية مقبلة، يبدو أنّ السعودية ومن خلفها «المستقبل» ينظران الى عرسال من منظار استراتيجي مرتبط بالازمة السورية وينعكس على قضية العسكريين ويعطي الخاطفين فرصة لكي يزيدوا من شروطهم ويضعوا الدولة ومؤسساتها وحكومتها في زاوية حرجة.

أمام هذا المشهد تأتي مسألة «المقايضة»، وما يطرحه البعض حول إطلاقٍ غير مشروط للإرهابيين، بما يجعلهم يفلتون بجرائمهم وبالدماء التي أراقوها في الشوارع بلا عقاب، ما يفتح الباب مستقبلاً امام حالات خطف وضغط جديدة يمارسها الارهابيون على الدولة لابتزازها ودفعها الى تنفيذ شروطهم.

اقتراح رئيس مجلس النواب نبيه بري حول «خروج المدنيين» من خلية الازمة جدير بالتفكير الجدي، لأنّ نصف الضعف الذي تعانيه الدولة في موقفها التفاوضي هو الانقسام السياسي والضغط الذي يمارسه البعض داخل خلية الأزمة لمصلحة الخاطفين.

وعندما يجري حصر الملف بالشق الامني بالتنسيق مع رئيس الحكومة يخرجه من «البازار» السياسي ومن رغبات ومصالح وحاجات الاطراف نحو عمل مهني محض يقوم به مَن هم اصحاب اختصاص وليس مَن هم أصحاب مصالح وعلاقات حتى مع الخاطفين.

لقد كشفت قضية العسكريين المختطَفين الكثير، وربما سيأتي يوم يكشف فيه أحدهم أيّ ضعف ووهن وتواطؤ لمسه لدى اطراف داخليين لم يكن يعنيهم في كلّ القضية سوى إطلاق مَن قالوا عنه يوماً إنه «يفجّر في الضاحية ويقتل الابرياء رداً على قتال حزب الله في سوريا»… يا للفضيحة.