IMLebanon

تحرير الشباب من الصراع المذهبي…

تفترض التربية تحريراً للفكر، وفتح آفاق للمعرفة والتنوير. قبل ذلك، التربية ليست تلقيناً ولا تعليماً للتقليد. التربية مسار تنويري محطته الأولى التعليم ثم دفع المتعلم لأن يحرر فكره، يحاور ويسائل ويحاسب أيضاً، مرتكزاً على سلم معايير وقيم أخلاقية، بعيداً من التعصب والاصطفاف ورفض الآخر. الطالب في الجامعة وكذلك تلميذ المدرسة مدعوان الى أن يحررا فكرهما من مفاهيم تتسرّب الى حياتهما، ليس في الجامعة بل في البيئة السياسية والطائفية والمذهبية التي تسيطر مفاهيمها وتقاليدها على حياتهما طالما انهما لا يتحرران من الموروث الذي يدفع الشباب الى أحضان الجهاد في المذهبين الاسلاميين المتصارعين، السنة والشيعة، ويأخذهما الى نقطة لا تترك تقاطعاً بينهما.

والطالب حين يحرر فكره، يتحرر من التربية المذهبية وتقاطعاتها السياسية ومصالحها المترامية، لا بل أنه يتمرد عليها بالمساءلة أولاً، ويتحرر أيضاً من الإنشداد نحو مراكز قوى واستحضار تاريخ الخلاف والقتل، ومن الإصطفاف المذهبي الذي يتحول متاريس متقابلة طالما أن التعبئة واستنفار العصبيات بين الشباب يُستحضران عند كل منعطف، وتشنج وتوتر مذهبيين، فلا يعود هناك مكان للاعتدال ويلتحق كل منهم بمذهبه وطائفته. والطالب أو الشاب والتلميذ أيضاً الذين يأسرهم الصراع المذهبي يتحررون عندما يكون فكرهم منفتحاً رفضاً لسيطرة الموروث التاريخي، من الخلاف الى الدعوة والتفسير والتأويل، خصوصاً في بلد متعدد ومتنوع طائفياً ومذهبياً كلبنان.

كيف نفسر مثلاً الإنشداد السريع نحو المذهب والإستنفار العصبي، والتمترس خلف مفاهيم وأساطير ما لم يكن هناك أساس يتمثل بالتربية الدينية التي ينشأ عليها الأولاد في مراكز دينية، وحتى في مدارس تابعة لجمعيات ومؤسسات للمذاهب تحض على التعصب وأيضاً العنف، وتدخل في العقول تاريخ الصراع من زاوية ضيقة لا تترك مجالاً للتفاهم وللتواصل، إلا إذا أراد المرجع الديني أو السياسي ذلك، وبأمر وتوجيه أو فتوى منه. يتحرر الطالب من هذه التربية، حين يحرر فكره ويعي أن “داعش” التنظيم الإرهابي الإسلامي اختار لبعض السنّة طريق الانتحار، وأن بعض الشيعة ايضاً اختاروا طريقهم في الإنتحار وسلكوا مسيرتهم في هذا الإطار. فليس الصراع الإنتحاري في العراق مثلاً إلا ذلك الدليل الذي يأخذنا الى الألوف من سنة “القاعدة” و”داعش” الذين نفذوا عمليات انتحارية ضد مواطنين شيعة. أما في مسيرة الشيعة فهم تدخلوا وتورطوا في مناطق كثيرة تحت وهم أن في وسعهم أن يكونوا قوة واحدة مقاتلة، بما هم مذهب، فأهملوا حدود وطنية جماعاتهم في الدول التي ينتمون اليها وسلكوا أيضاً مسيرة انتحارية.

سيعي الشباب يوماً أن هذه التربية تحض على العنف والانتحار، طمعاً في جنة واحدة، لكنهم موعودون بالانتحار فحسب، ولعلهم بتحرير فكرهم يساهمون في وقف المذبحة المستمرة!