باريس: السعودية تدعو لتحالف دولي ضد الإرهاب يستمر 10 سنوات
المشاركون في المؤتمر أكدوا دعمهم للعراق في مواجهة «داعش» واختلفوا حول سوريا
حققت باريس نجاحا دبلوماسيا من الطراز الأول عبر دعوتها ورعايتها (بالمشاركة مع العراق) «المؤتمر الدولي بشأن الأمن والسلام» في هذا البلد، الذي حضرته 26 دولة تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، و9 دول عربية، وأخرى أوروبية، إضافة إلى تركيا، و3 منظمات دولية بينها الجامعة العربية ممثلة بأمينها العام نبيل العربي.
بيد أن «الغائب الأكبر» كان بالتأكيد إيران. وقالت مصادر فرنسية رفيعة المستوى إن باريس وبغداد كانتا ترغبان في دعوة طهران للمشاركة، بيد أنه «لم يتحقق إجماع» من الدول المدعوة للمشاركة حول حضورها «بسبب الدور الإيراني في سوريا ودعمها نظام بشار الأسد وعدم تبنيها أهداف المؤتمر ولغموض نواياها».
في السياق ذاته، قال دبلوماسي عربي كان حاضرا المؤتمر لـ«الشرق الأوسط» إن وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري صرح في الجلسة المغلقة للمؤتمر بأنه كان يتمنى مشاركة إيران في النقاشات وحضورها في المؤتمر. وأكد المصدر أن الوزير العراقي تحدث بهذا ضمن حديثه عن وجوب مشاركة جميع دول الجوار في الحرب على «داعش» والإرهاب، لكنه سمى إيران بالاسم.
وقالت مصادر أخرى لـ«الشرق الأوسط» إن وزير الخارجية الأميركي جون كيري «أجهض مشروع دعوة إيران بالتوافق مع دول خليجية ليست متحمسة للاعتدال الغربي إزاء طهران».
والظاهرة الثانية اللافتة أمس هي مستوى التمثيل في المؤتمر الذي قالت عنه مصادر الإليزيه إن التحضير له جرى خلال 4 أيام لا غير. فقد حضر المؤتمر الذي افتتحه رئيسا جمهورية فرنسا، فرنسوا هولاند، والعراق، فؤاد معصوم، في مقر وزارة الخارجية الفرنسية، وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا ونظراؤهم العرب، فيما تمثلت الصين بنائب وزير خارجيتها، والأمم المتحدة بالممثل الخاص للأمين العام في العراق نيكولاي ملادينوف.
ووسط حشد إعلامي لافت وإجراءات أمنية وصلت إلى حد استخدام الكلاب البوليسية لتفتيش الحقائب، جرى المؤتمر الذي لم يستمر سوى 4 ساعات وانتهى بمؤتمر صحافي مشترك لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، والعراقي إبراهيم الجعفري. وكان لافتا وصول الوزير الروسي سيرغي لافروف متأخرا وخروجه مبكرا. ووفق أكثر من مصدر، كان كلام لافروف في قاعة المؤتمر «مختلفا في لهجته عن كلمات الأطراف المشاركة الأخرى». ومما قاله لافروف، وفق مصادر استمعت إليه، أنه «لا يتعين وجود معايير مزدوجة في التعامل مع الإرهاب أكان اسمه (النصرة) أو (داعش) أو أي شيء آخر»، مضيفا أن سوريا وإيران هما «حلفاء ضد (داعش)». وبحسب نص كلمة لافروف التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» بالإنجليزية، فقد قال الوزير الروسي بالحرف: «سوريا وإيران هما حليفان طبيعيان في الحرب على (الدولة الإسلامية)، ومشاركتهما كان يمكن أن تغذي أعمالنا هنا». وأضاف لافروف: «المعايير الأخلاقية التي تتحكم بعملية محاربة الإرهاب لا يتعين أن تكون متغيرة (بتغير الحركات المستهدفة)». وإذ شدد لافروف على الحاجة «لمناقشات» في مجلس الأمن الدولي من أجل توفير غطاء شرعي للقيام بضربات عسكرية، فإنه هاجم واشنطن من غير أن يسميها بقوله إنه «لا أحد يستطيع الادعاء أكثر من غيره أنه يعرف أي نوع من الاستراتيجيات (يتعين اختياره) تحتاجه المنطقة، وبطبيعة الحال، يتعين أن نبني عملنا على الأسس القوية التي تقوم عليها الأمم المتحدة وعلى أدواتها وآلياتها فضلا عن أننا نواجه الأعداء أنفسهم في العراق وسوريا وأمكنة أخرى، ولذا فلا مجال لتغير المعايير».
وإذ رحب لافروف بالمبادرة الفرنسية، فإنه دعا إلى «تفحص ظاهرة التطرف والإرهاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل معمق في إطار مجلس الأمن الدولي من أجل البحث عن الأسباب وليس فقط الظواهر الخارجية».
وبحسب مصادر أوروبية، فإن من الواضح أن كلمة لافروف «استباقية» بمعنى أنها تسعى لـ«تقييد حركة» التحالف الدولي الذي يبرز شيئا فشيئا بمبادرة من واشنطن. وخوف موسكو، كما قالت، هو من امتداد الحرب على الإرهاب إلى سوريا التي تحظى بدعم ورعاية روسية في كل المجالات.
وبدا لافتا أن الفقرة الرابعة من البيان الصادر عقب انتهاء أعمال المؤتمر تتأثر إلى حد كبير بـ«التحفظات» الروسية؛ إذ نصت على ما يلي: «شدد المشاركون على الضرورة الملحة لإنهاء وجود تنظيم (داعش) في المناطق التي يتمركز فيها في العراق، ولهذا الغرض التزموا بدعم الحكومة العراقية الجديدة بالوسائل الضرورية في حربها على (داعش) ومن ضمنها المساعدة العسكرية الملائمة التي تفي بالاحتياجات التي تعبر عنها السلطات العراقية شريطة احترام القانون الدولي وسلامة المواطنين». وتظهر الفقرة المذكورة اتفاقا بشأن العراق وغياب الاتفاق بشأن العمل العسكري الممكن ضد «داعش» داخل الأراضي السورية.
وبدت أمس بوادر اختلاف بين الحاضرين بشأن سوريا؛ إذ قالت مصادر فرنسية رسمية إن باريس طلبت من العراق أن يتقدم بطلب رسمي لها حتى تبادر للمشاركة في العمليات الحربية؛ إذ إنها «تريد المحافظة على الشرعية الدولية». بيد أن هذا النهج لا يمكن أن يتوافر في سوريا حيث لا تعترف الدول الغربية وغالبية الدول العربية بشرعية النظام السوري. ويفهم من أكثر من مصدر أن القرار رقم «2170» الصادر في 15 أغسطس (آب) الماضي يمكن أن يستخدم قاعدة «شرعية»؛ إذ إنه صادر تحت الفصل السابع وبإجماع الدول الـ15.
وفي كلمته الافتتاحية، شدد الرئيس هولاند على الضرورة الملحة للتحرك والمبادرة «لأنه لا وقت يمكن إضاعته» ولأن «حرب العراقيين على (داعش) هي حربنا جميعا». وخلاصة ما قاله الرئيس الفرنسي أن «التهديد شامل والرد عليه يجب أن يكون شاملا»؛ إذ إن التنظيم المتطرف «لا يهدد العراق والشرق الأوسط فحسب؛ بل يهدد العالم أجمع». وطلب هولاند من المجتمعين القيام بـ«جهد استثنائي» يتناول إقامة جسر إنساني «حقيقي» و«جمع الأموال» من الدول الصديقة وتوفير الدعم العسكري، مشيرا إلى أن بلاده «عازمة على تحمل حصتها». وشدد هولاند على الحاجة لتدابير قاسية لمنع تدفق المقاتلين إلى «داعش»، ومحاربة الخلايا الجهادية والفكر الإرهابي، مع الحاجة لمعالجة «أصل المشكلة»؛ أي سوريا، حيث الحل «يجب أن يكون سياسيا». ولم تفت هولاند الإشارة إلى الحاجة للمحافظة على وحدة لبنان وأمنه وسيادته وكذلك الأردن. وخاتمة هولاند كانت أن «مؤتمر باريس محطة مهمة على درب تعبئة الأسرة الدولية لدعم العراق وسلطاته الجديدة». وأعلنت باريس أمس بدء طلعات جوية فوق العراق، وأنها أصبحت متأهبة للمشاركة في العمليات العسكرية الفعلية.
غير أن هولاند حمل العراقيين المسؤولية الأولى في المواجهة مع «داعش»؛ إنْ لجهة التوافق الداخلي واتباع سياسات مختلفة عن السياسات السابقة، أو تحمل مسؤولية الحرب الأرضية، وفق ما قالت مصادر الإليزيه بالنظر إلى أنه لا أحد في الوقت الحاضر ينوي إرسال قوات برية، وأن الضربات الجوية وحدها لن تكون كافية لإخراج «داعش» من العراق.
ولم يخرج الرئيس فؤاد معصوم في كلمته عن هذا الخط، لكنه كرس الجزء الأكبر منها للتنديد بـ«داعش». وكان معصوم قد اجتمع صباحا على انفراد بالرئيس هولاند في قصر الإليزيه ووصلا معا إلى قاعة المؤتمر. كما استقبل جون كيري ونبيل العربي في مقر السفارة العراقية. وقال معصوم متوجها إلى المؤتمرين: «نناشدكم الوقوف إلى جانب شعبنا»، مطالبا إياهم بالاستمرار في شن حملات جوية «منتظمة» وعدم السماح للداعشيين بإيجاد ملاذات آمنة، و«مطاردتهم أينما وجدوا»، وتجفيف منابع تمويلهم ومحاصرتهم بالقوانين التي تحرم التعاون معهم، فضلا عن منع تدفق المقاتلين من دول الجوار والدول الأخرى.
وذهب وزير الخارجية العراقي في الاتجاه عينه عندما عدّ أن العراق «ليس وحده» في هذه المعركة التي يخوضها ضد الإرهاب.
من جهته، جدد وزير الخارجية المصري سامح شكري في كلمته أمام المؤتمر التأكيد على أهمية إيجاد الحلول الشاملة في الحرب على الإرهاب، مؤكدا أن أنصاف الحلول غير مجدية لمواجهة خطر الإرهاب، ودعا إلى استنفار دولي شامل لمحاصرة هذه الظاهرة العابرة للحدود. وأضاف شكري: «لا شك أن تلك المواجهة تتطلب من جانب آخر استكمال تشكيل الحكومة العراقية لكي تضطلع بدورها في بناء دولة تحتضن جميع العراقيين معزز بذلك منطق الدولة والمؤسسات، وبما يزكى تضامنهم لمواجهة هذا الخطر، ويعزز من قدرات القوات المسلحة العراقية للاضطلاع بمسؤولياتها في هذا الصدد».
وجاءت خلاصات المؤتمر خالية من أمور وإجراءات محسوسة؛ إذ إن المبادرة الملموسة الوحيدة كانت ما أعلنه الوزير فابيوس عن انعقاد اجتماع في البحرين لتجفيف المصادر التمويلية لـ«داعش»، ولكن من غير تحديد تاريخ معين. وردا على من كان يتوقع إجراءات وتدابير وخطط تفصيلية، قالت مصادر الخارجية الفرنسية إن المؤتمر «أرسى الإطار السياسي وأثبت وحدة الأسرة الدولية، فيما التدابير الأخرى متروكة لكل دولة بحسب رغباتها وإمكاناتها».
وأعرب المشاركون في بيانهم عن «التمسك بوحدة العراق وسلامة أراضيه وسيادته» وأشادوا بالسلطات الجديدة التي أعربوا عن دعمهم لها «من أجل توطيد سيادة القانون وتعزيز وحدة العراقيين وتحقيق التمثيل العادل». كما ذكروا بالحاجة لدعم تطلعات كل مكونات الشعب العراقي «في إطار اتحادي يمتثل للدستور وحقوق الأقاليم ووحدة البلاد»، وكلها رسائل تشكل قطيعة مع الممارسات السابقة.