IMLebanon

أيّ تغيير يحتاجه لبنان.. وما طريق الحلّ؟

 

إختصر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري النزاع السياسي – الإقتصادي الدائر الآن بين الأفرقاء السياسيين في لبنان، بقوله أمس الأول من بكركي، إنّ «هناك تحدّياً سياسياً في البلد، بين تغيير النظام اللبناني وبين إصلاح هذا النظام الحرّ، لكي يسير في الطريق الصحيح». زيارة الحريري وكلامه جاءا بعد عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الأخيرة، التي أكّد فيها ضرورة حياد لبنان، وما تلاها من حراك لإعادة البلد الى حضن الشرعيتين العربية والدولية. وكانت الأشهر الأخيرة حفلت، في ظلّ الأزمة المتفاقمة، بطروحات تُطاول تطوير أو تعديل أو تغيير كلّ من شكل الدولة في لبنان ونظامها وحتى «اتفاق الطائف» والدستور وصولاً الى إبرام عقد إجتماعي جديد بين اللبنانيين.

 

إعتبر الحريري، أنّ «هناك من يريد تغيير النظام في اتجاه ما سمعناه في الخطابات. وبالمختصر، هناك مشروع لتأميم البلد ودمج المصارف حتى يُصبح لبنان شبيهاً باقتصادات إقليمية يحبّذها البعض كالاقتصاد الإيراني». وأشار الى كلام الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله الأخير، لافتاً الى أنّ «البعض سأل ممّا يشكو الاقتصاد الإيراني؟».

 

التوجّه نحو الشرق أو أطراف محدّدة من هذا الشرق، مثل إيران، أمرٌ لا يتحمّله لبنان، حتى لو اقتصر هذا التوجّه على العلاقات الإقتصادية، حسب جهات معارضة. إذ إنّ لبنان صلة وصل بين الشرق والغرب، وحين يأخذ أيّ اتجاه حصراً يفقد دوره، وهو من دون هذا الدور يفقد وجوده.

 

في الموازاة، هناك إعتبار أنّ النظام اللبناني عموماً وليس الإقتصادي فقط، فشل وسقط، ويجب البحث عن «لبنان جديد». وفي حين أنّ جزءاً من المنتفضين منذ 17 تشرين الأوّل 2019 يُطالب أقلّه بدولة مدنية، يُطالب آخرون بالفدرالية، ويدعو البعض الآخر الى تعديل الدستور.

 

المواقف السياسية من الدستور والنظام متبدّلة ومتحوّلة، ومن الصعب الركون إليها في بحثٍ علمي جدّي للتغيير، في إطار المصلحة الوطنية ومصالح اللبنانيين، إذ إنّ من قاوم «اتفاق الطائف» في السابق يُبدي تمسّكه به الآن، ومن يدعو الى إلغاء الطائفية السياسية أمعن في السياسة الطائفية طوال السنوات المنصرمة، وحال دون سلوك المسار التدرجي لإلغاء الطائفية وصولاً الى إلغاء الطائفية السياسية.

 

بمعزلٍ عن هذه المواقف، أيّ تغيير يحتاجه لبنان للحؤول دون تعريض إستقراره السياسي والإجتماعي والأمني للإهتزاز وتعريض كيانه للسقوط عند أيّ أزمة من أيّ نوع كانت؟

 

يقول المرجع الدستوري الوزير والنائب السابق إدمون رزق، الذي شارك في صوغ «اتفاق الطائف»، إنّ «هناك استغلالاً وتمويهاً سياسيين لمعظم الطروحات، وإنّ سقوط اتفاق «الطائف» يعني سقوط لبنان، وسيصبح الكيان مفتتاً أو تابعاً والبلد غير موحّد وغير قائم والدولة غير موجودة».

 

رزق الذي قال عام 1977 خلال إجتماع لـ»الجبهة اللبنانية» إنّ «لبنان أصغر من أن يُقسّم وأكبر من أن يُبتلع»، يؤكّد أنّ «تطبيق الفدرالية في لبنان مُستحيل، وأيّ سعي من هذا النوع سيؤدّي الى التقسيم». ويوضح، أنّ «الحلّ موجود في «اتفاق الطائف» وهو اللامركزية الموسعة، التي تُعطي نوعاً من الحرّيات، عبر منح صلاحيات للمجالس المنتخبة في المناطق»، مشدّداً على «التزام «الطائف نصاً وروحاً. فالروحية هي وحدة البلد والنص هو الطريقة الممكنة لكي يعيش الناس بعضهم مع بعض من دون التصادم». ويؤكّد «أننا لسنا في حاجة لا الى تعديلات ولا الى نصوص جديدة، بل الى أشخاص مؤهّلين في السلطة يطبّقون الدستور والقوانين القائمة». ويرى أنّ «البلد يمرّ في مرحلة لم يمرّ فيها سابقاً، إذ حين كان يتعرّض لشدّة كان يوجد من هو مؤهّل لإدارة الأزمة، فيما أنّ الأزمة الآن ناتجة من الموجودين في الحكم من دون استثناء، فهم العلّة والسبب والمشكلة بدلاً من أن يكونوا الحلّ». ويعتبر «أنّه يجب أن يصل الى الحكم من يضمن صيغة العيش معاً».

 

أمّا من يُطالبون بإسقاط «اتفاق الطائف» أو تعديله، فلا يفهمون ماذا يطالبون به، حسب رزق، الذي يسأل: «ما الذي يريدون تغييره في هذا الإتفاق؟ هل تغيير إقرار قانون انتخاب يؤمّن التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب وأجياله؟ أم إلغاء بسط سيادة الدولة على كلّ الأراضي اللبنانية بقواها الذاتية وحلّ جميع التنظيمات المُسلّحة، لبنانية وغير لبنانية، وحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية؟ أم تغيير النظام البرلماني؟ أم تعديل إلغاء الطائفية وصولاً الى إلغاء الطائفية السياسية؟ أم تغيير ضرورة تأمين أكثرية الثلثين في مجلسي النواب والوزراء، في اتخاذ قرارات حساسة ومصيرية تمنع هيمنة طائفة واحدة على هذا القرار؟..».

 

كذلك على صعيد المطالبة بدولة مدنية، يُشير رزق الى أنّ «أسس الدولة المدنية وُضعت في «اتفاق الطائف». فتنصّ المادة 95 من الدستور على أنّ أول مجلس نواب مُنتخب على أساس المناصفة، أي في عام 1992، عليه أن يتخذ التدابير الملائمة لإنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، تضع الخطة المرحلية للعبور الى المواطنة، أي الدولة العلمانية ودولة المواطن». ويقول: «كان من المفترض أن تُؤلّف الهيئة منذ 27 عاماً وتضع البرنامج منذ 25 عاماً، للعبور الى المواطنة والتحرّر من القيود الطائفية ونقل لبنان الى العلمنة المؤمنة وليس الإلحاد، بفصل الدين عن الدولة، حيث لا يجوز أن تبقى في لبنان أخوية دينية تمارس السياسة. ولا يجب أن يكون هناك أيّ تداخل بين النظام السياسي والأديان، وهكذا يتحرّر المواطن من التبعية الطائفية، ويتحرّر الدين من التوظيف السياسي». وعن المطالبة بإلغاء الطائفية السياسية الآن، يوضح رزق: «أنّه يجب إلغاء الطائفية لإلغاء الطائفية السياسية، ولا يُمكن في ظلّ وجود أحزاب إلهية إلغاء الطائفية السياسية». وإذ يؤكّد أنّ «نظامنا السياسي تقدّمي إذا طُبّق الدستور»، يرى أنّ «الذي كان يجب أن يحصل بالتطور والتدرج يحصل الآن من خلال الثورة. وهذا يُشكّل إدانة لكلّ الطواقم المستنسخة منذ «اتفاق الطائف» ولم تقم بواجباتها».

 

ويُشدّد رزق على أنّ «التغيير يجب أن ينطلق من «اتفاق الطائف»، فهو الجدير بتحقيق التغيير من دون حرب أهلية. فهذا الإتفاق هو خريطة الطريق للعبور الى الدولة التي يُطالب بها الشباب الآن». ويعتبر أنّ «هذا المشروع يجب أن تتسلّمه الأحزاب، لكن كل الأحزاب في البلد من دون استثناء فشلت في السلطة وخارجها، وبالتالي لا يجب البحث عن تغيير النصوص الدستورية والقانونية، فهي ليست سبب مشكلات لبنان وأزماته، بل يجب تغيير الأشخاص الذين يتولّون الحُكم ولم يلتزموا تطبيق الدستور، لحفظ صيغة «العيش معاً»، فالمشاركة هي في المسؤولية وليس في الحصص». ويرى أنّ «الأفق الوحيد الآن أمام البلد يكمن في أن يخرق الشباب الإطار المذهبي والخوف من السلاح ويخترق الشارع ويفرض التغيير، ولا أفق آخر».