تطبيق وثيقة الطائف صمّام الأمان ولا مجال للاجتهاد في موضع النص
عشية بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية وبإنطلاق العد العكسي لموعد 31 تشرين الأول نهاية ولاية الرئيس ميشال عون، يدخل البلد في حرب الاجتهادات والفتاوى الدستورية بحيث يبدو ان تطبيق الدستور لدى بعض الساسة في لبنان أصبح وجهة نظر تقرأ منه بعض البنود ويهمل بعضها الآخر بحسب المصالح والظروف، في ظل ضبابية المرحلة المقبلة الفاصلة عن نهاية تشرين الأول، ولكن اللافت خلال الأيام الماضية التجييش العوني الشعبي من خلال الدعوة لتحويل القصر الجمهوري قصرا للشعب لمؤازرة انتهاء عهد ولاية عون وللتذكير بمرحلة تسلّمه زمام أمور البلد في العام 1989.
مصادر سياسية مواكبة تأسف عبر «اللواء» لدعوة أنصار عون للزحف الى قصر بعبدا لمؤازرة رئيس الجمهورية في نهاية ولايته، وتتساءل عن سبب هذه الدعوات وعما إذا كانت احتفالا بالإنجازات الذي حققها العهد بإيصال الشعب اللبناني الى قاع جهنم والعمل على حرمانه من أدنى مقومات الحياة الأساسية؟
وتلفت المصادر الى ان هذه الدعوة هي بمثابة استفزاز للشعب اللبناني المتضرر بمعظمه من ويلات هذا العهد، وتستغرب المصادر ما يُحكى عن تفسيرات واجتهادات دستورية تجرى دراستها في أروقة القصر الجمهوري حول كيفية إدارة البلاد في حالة الشغور الرئاسي، رغم تأكيد عون بأنه سيغادر المقر الرئاسي ليل 31 تشرين الأول وبأنه سيلتزم بتطبيق الدستور.
المصادر تشدّد على وجوب انتخاب رئيس للجمهورية في الموعد المحدد وتعتبر على ان لا مبرر للشغور الرئاسي الذي يتم الترويج له خصوصا ان لدى الطائفة المارونية رجالات قادرة على تسلّم سدّة الرئاسة.
وفي هذا الإطار يقول أحد المشاركين بوضع اتفاق الطائف الوزير والنائب السابق ادمون رزق لـ«اللواء»: «ان تطبيق الدستور هو القانون الأساسي لكل دولة وتطبيقه هو صمام الأمان في كل مرحلة، ومن البديهي ان أول المطلوب بمواصفات رجال الدولة أن يكون لديهم اطّلاع على الدستور والقوانين ولديهم ثقافة القانون، ولكن للأسف فان هذه الشروط غير متوافرة في طواقم الحكم المتعاقبة منذ ما بعد اتفاق الطائف، علما ان الحكومة الأولى ما بعد هذا الاتفاق التزمت مبادئ وثيقة الوفاق وطبقت موجباته، ولكن بكل أسف تحوّلت السلطة فيما بعد الى نوع من «اللقطة» بحيث أصبحت بين أيادي فئات وأشخاص لا تتوافر فيهم شروط تولّيها، وأولها المعرفة والتزام وهذه هي العلّة الأساسية، ولا رادع لها إلا بإرادة شعبية جارفة في الانتخابات ولكن في كل مرة تُعطل بسبب الاعتبارات الطائفية والضغوط الخارجية والرشوة».
وعن الاجتهادات الدستورية يعتبر رزق ان هناك مبدأ أساسيا ومعروفا في كل دول العالم الحضارية وهو ان لا اجتهاد في موضع النص، ويقول: «حرصنا عند تعديل الدستور على وضع النصوص المعدلة وفقا لوثيقة الوفاق بطريقة واضحة لا تضع مجالا للاجتهاد، ولكن بكل أسف فان كل الطواقم المتعاقبة على السلطة في لبنان لم تلتزم لا باتفاق الطائف ولا بالدستور وإنما كانت وما برحت محكومة بالمحاصصة وبمصالحها الشخصية».
وحول إمكانية انقلاب الرئيس عون مجددا على الدستور والمعروف عنه رفضه في الماضي لاتفاق الطائف، يقول رزق: «ان اتفاق الطائف ليس رهنا لا بعهد ولا بشخص و لا بحكومة لانه هو ركيزة أساسية للجمهورية اللبنانية، ومن البديهي أن يتم الالتزام به من قبل الجميع دون جدلية عقيمة، فالنصوص واضحة ولا تحتاج الى شرح بل الى تطبيق، ولكن بكل أسف من تولّى ويتولّى السلطة في لبنان هم من دعاة وطالبي المراكز و«قناصي» الحصص وليسوا من رسل الخدمة العامة».
وعن دعوة التيار الوطني الحر لدعم الرئيس عون في نهاية ولايته، يعتبر الوزير والنائب السابق رزق انه في الدول الديمقراطية الأعمال تحدّث عن نفسها والمبايعات الارتدادية أدعى الى التشكيك منها الى التأكيد، ان الأوضاع العامة تحدّث بنفسها وتشهد عن ذاتها وكل تحرك مفتعل لتمويهها يؤدي الى نتائج عكسية، والنظام الديمقراطي يفرض تداول السلطة ويفترض التزام بالدستور وعدم التلاعب به.
وحول أسباب أزمة الفراغ الدستوري مع كل استحقاق رئاسي، يعتبر رزق اننا نعيش حالة من الأمر الواقع المفروض بشكل غير ديمقراطي لان الديمقراطية معطّلة في لبنان بسبب الأشخاص والتنظيمات معا، ويشير الى ان الفريق المستفيد من القفز فوق الدستور يعتبران تعطيله فرصة له لتحقيق مآربه الوصولية.
ويؤكد رزق بالتأكيد على انه لا يجوز الوصول الى حالة فراغ تحت طائلة اعتبار المسؤولين بأجمعهم في جميع السلطات اللبنانية قاصرين أو متواطئين، ويرى ان شرف المسؤولية يحتّم على كل معني من الرئيس الى الحكومة الى المجلس النيابي أن يدرأ الفراغ وان لم يفعل فانه متلبس بالخيانة العظمى، ويشير الى انه عندما تم وضع النصوص بتعديل الدستور وفقا لاتفاق الطائف وتم تصديقها بالإجماع في مجلس الوزراء والمجلس النيابي كنا نتطلّع الى بناء دولة لوطن لا الى نصب خيمة «أرجوز» أو عدة خيم «أرجوزية» في مواقع السلطة ومقرات الحكم.
وختم قائلا: «للأسف ما نعيشه اليوم هو خيم «أرجوزية» منصوبة ولكنها لا تُسلّي ولا تُضحك بل تبكي وتفجع، لذلك نحن أمام حكم فاشل بكل ما للكلمة من معنى».