تصدّرت قضية “العودة إلى المدارس في ظل أزمة كورونا” النقاش في لبنان، وأصبحت من مشاغل الرأي العام، خصوصاً مع إعلان وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال، طارق المجذوب، عبر شاشات التلفزة عن انطلاق العام الدراسي في 28 أيلول الجاري بـ”حُلّة جديدة” وخطة ضبابية بعنوان “التعليم المدمج” الذي يجمع بين التعليم الحضوري والتعليم اونلاين مع تقليص المناهج إلى النصف والاعتماد على مبدأ تقسيم الشُعب إلى مجموعتين، عملاً بالقدرة الاستيعابية التي لا تتخطى الـ 50% من كل صف.
بقدر ما تحوّلت “كورونا” مشجباً لدى الوزارات الرسمية اللبنانية لتبرير فشلها وعجزها عن تأمين البديهيات، يجد أهالي الطلّاب انفسهم بين سندان الفيروس ومطرقة الأزمة الإقتصادية وتهاوي سعر صرف العملة الوطنية. فإلى مشقة التأقلم مع نوع التعليم الذي ينتظرهم هذا العام، يواجهون إرتفاعاً في كلفة التعليم الخاص، وارتفاع أسعار الكتب المدرسية الخاصة والرسمية والقرطاسية أيضاً. فهل قدمت خطة الوزير حلولاً فعلية؟
خطة غير واضحة
بين حكومة تصريف الأعمال، وأخرى منتظرة، تتواصل أزمات العائلات اللبنانية، بخاصة في مشاكلهم مع قطاع التعليم وخطة الوزير التي لم تحدد التفاصيل ولا الآليات التنفيذية لقراراته. فتقول منسقة الرياضيات في إحدى المدارس الخاصة في بيروت يسرى اللحام، إنها تلقت اتصالات من عدد من الأهالي يسألونها “تفسيراً” لما قاله الوزير عن “تقليص المناهج إلى حدود النصف أي سيتم حذف 50% من منهج كل مادة على ان يكون تقسيم الدروس وتراتبيتها موحدين وملزمين على صعيد التعليم الرسمي والخاص”، فلا أحد يعلم ما هي الدروس التي سيعملون على إلغائها، وهل سيكون نصف المنهج الدراسي مفيداً بعد أن خسر الطلاب أصلاً معظم مناهجهم السنة الفائتة؟ ولماذا لم يتم العمل مع لجان الأساتذة، ولجنة الطوارئ التربوية، لتحديد الدروس التي ستُلغى قبل اعلان الوزير هكذا قرار، فلمن عاد بقراره الضبابي هذا؟” وتابعت “وهل الدمج بين التعليم عبر الإنترنت والتعليم في الصفوف الدراسية غير المكتظة وتقليص العام الدراسي من 26 اسبوعاً الى 13اسبوعاً لن يفرق بين مواطنين ومقيمين أو سوريين مثلاً؟”
أسئلة أخرى طرحها الأهالي على اللحام أهمها تناول الكتاب الرقمي، أو النسخة الإلكترونية للكتاب المدرسي الرسمي، الذي أعلن الوزير عن انتهائه قريباً، فهل سيتمكن الأهالي من الإستغناء عن النسخة الورقية مثلاً، بخاصة مع غياب إجراء المناقصة لتلزيم طباعته؟ وماذا عن كلفة تعقيم المدارس؟ ستكون على من بالتحديد؟” وأضافت اللحام “التعليم عن بعد ليس بديلاً عن التعليم الوجاهي طالما لم يتمكن جميع الطلبة من الوصول إليه بسهولة ويسر، وقد اعترف الوزير المجذوب خلال عرضه للخطة بـ”عدم وجود بنية تحتية تساعد على التعلم عن بعد، ووضع شبكة الانترنت في لبنان لا يساهم بالتعلم عن بعد بشكل كلي” وبالتالي “يبدو أنه لن يكون هناك من ضمان تكافؤ الحقوق في التعليم بين تلاميذ القطاعين العام والخاص”.
وتقول المعلمة والناشطة في المجال التعليمي نسرين شاهين، إنه بالدرجة الأولى “على الوزير المعني أن يوقع مع جميع المدارس والثانويات، رسمية كانت أم خاصة على بروتوكول صحي يقضي بفرض تدابير وقائية في المؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها بخاصة في أماكن الإقامة في الجامعة وأماكن الطعام و”الكافيتيريا” ووسائل النقل المدرسي والجامعي، مع التعهد بالمراقبة الدورية للتلاميذ، وفرض ارتداء الكمامات إلى جانب التطهير المستمر للأماكن المشتركة كالملاعب مثلاً، وتخصيص مكان في كل مدرسة أو جامعة أو ثانوية للعزل الموقت للحالات المشتبه فيها، إلى حين الإحاطة بها صحياً. على أن يخصص فريق من الوزارة يتابع هذه الأمور بشكل دوري”.
وتستبعد شاهين قدرة المدارس، ولا سيما الحكومية، على توفير البيئة المدرسية الصحية والسليمة، لأنّها كانت تفتقر قبل جائحة كورونا للمقومات المطلوبة. فبرأيها إن “التعليم المدمج الذي أعلنه الوزير وحده غير كاف للوقاية فهناك أصلاً ضعف شديد في إمكانات المدارس الرسمية وعدم قدرة جزء من التلاميذ على توفير مستلزمات التعقيم والكمامات مثلاً، وعليه فالوزارة مطالبة اليوم بدفع مستحقات صناديق المدارس عن الأعوام الماضية وتأمين المستلزمات التربوية والأدوات التعليمية الضرورية والوسائل التكنولوجية والكتاب المدرسي قبل أي شيء” كما استغربت شاهين كيف “لم يتطرق المجذوب إلى مسألة غلاء الكتب المدرسية والقرطاسية، على الرغم من أنه ما من لائحة نهائية بأسعار الكتب لهذا العام بسبب الهبوط الكبير للعملة اللبنانية مقابل الدولار”. وتخوفت من مسألة “احتمال رفع الدعم عن المحروقات وأهمها البنزين، الذي يمكن أن يضيف أيضاً على الأهل أعباء النقل المدرسي الذي سيرتفع حتماً لو تحقق فعلاً رفع الدعم”.
كل يغني على ليلاه
على المقلب الآخر، تبدو رسوم القطاع الخاص غير موحدة، فيشكو بعض الأهالي من معاناتهم مع إدارات المدارس الخاصة التي أصرّت على تقاضي رسومها المرتفعة كاملة عن السنة الدراسية الماضية، على الرغم من أنّ التلاميذ لم يذهبوا إلى المدارس طوال الفصل الثاني من العام الدراسي الأخير بسبب حظر السلطات الرسمية ذلك، تبعاً لقيود مكافحة كورونا، وإجراءات الإغلاق.
وبحسب المتداول، يبدو أن المدارس الإنجيلية لم تزد أسعارها لكنها أصرت على تحصيل جزء من الأقساط المدرسية للسنة المقبلة للتأكد من أعداد التلامذة المسجلين هذه السنة وعليه سيتم اعتماد اعداد المعلمين. كما أن معظمها رفضت تسليم أي إفادة نجاح ما لم يتم دفع أقساط السنة الماضية بالكامل. أما المدارس الرهبانية ذات المنهاج الفرنسي فقد أعلنت أنها حصلت على مساعدة ودعم من السفارة الفرنسية وأنها ستعمل على تخفيض كلفة التعليم على تلامذتها، في حين أن مدارس المقاصد الإسلامية أعلنت أنه لن يكون هناك من زيادة على الأقساط ولكن على جميع الأهالي دفع كافة مستحقات السنة الماضية. وتقول سالي شامي وهي أم لتلميذ في مدارس اللاسيتيه خلدة، لـ”نداء الوطن” إنه في حين لم ترتفع الأقساط المدرسية هذه السنة الا أن القرطاسية واللباس المدرسي الموحد ارتفعت أسعارهما بشكل ملفت، إذ أنه كان يكلفها اللباس المدرسي “40 ألف ليرة، أما هذه السنة فباتت كلفته 400 ألف ليرة أي أكثر من مجرد ضعف المبلغ، في حين أن الكتب المدرسية “دوبلت أسعارها” فالكتاب الذي كان يكلف 20 ألف ليرة لبنانية بات سعره 40 ألف ليرة، وبالتالي تتوقع أن تظهر عمليات تبادل كتب مدرسية بين التلاميذ توفيراً كما مبادرات جمع القرطاسية وتوزيعها على العائلات الأكثر حاجة من غيرها”.
من جهتها، رفعت مدارس الشويفات الخاصة من أقساطها بشكل كبير بما يتناسب مع ارتفاع كلفة الأساتذة والتصليحات والتعقيم، ما دفع عدداً كبيراً من الأهالي إلى سحب أولادهم منها ونقلهم إلى مدارس خاصة أخرى أقل كلفة منها أو رسمية. علماً أنه من المتوقع هذه السنة أن تتزايد أعداد المنتسبين إلى المدارس والثانويات الرسمية وبشكل هستيري بخاصة أنه، وبحسب أحد تصريحات وزير التربية لتصريف الأعمال طارق المجذوب هناك 92 مدرسة رسمية متضررة من انفجار بيروت الأخير، بالإضافة إلى 67 مدرسة خاصة، كما تضررت خمسة مجمعات تابعة للتعليم المهني والتقني الرسمي تضم نحو 20 معهداً ومدرسة فنية.
امتعاض وتفهّم
وتقول ماري زغيب لـ”نداء الوطن” إن معظم الأهالي في لبنان باتوا إما عاطلين عن العمل إما فقراء، “كيف سندفع ثمن القرطاسية، والمراويل والباص المدرسي والإحتياجات البديهية لأولادنا في حين أنه اذا لم يتضرر أحد بيننا من انفجار بيروت، تضرر جراء اقتصاد البلاد وصار بلا عمل. أما عن التعليم “اونلاين” فالإنترنت بطيء ونفس المشاكل التي عانينا منها في السنة الماضية ما زلنا نعاني منها، ومنا من لا يملك سوى حاسوب واحد في البيت ومنا من لا يملك القدرة على الإشتراك بكابل الانترنت ذي الخدمة السيئة أساساً” وتكمل “مهما تحدث وطمأننا الوزير نحن على ثقة أنه في المدارس الرسمية هناك إهمال، ولم تكن هناك متابعة كافية لجميع التلامذة وتعقيم لكل شيء بشكل دوري”.
أما تانيا رمضان فاعتبرت أن قرار إعادة فتح المدارس والثانويات ينطوي على “مخاطرة لا بد منها” وأنه “لو قرر الوزير فتح المدارس بشكل كلي من دون الدمج والتخفيف من المنهج فكان قد تم اتهامه بعدم الخوف على التلامذة، ولو قال لن نعيد فتح المدارس وسنعتمد على الأونلاين كان تلقى شكاوى عن عدم توفر الانترنت والكهرباء وإن قرر الغاء العام الدراسي كانوا سيقولون “اولادنا بلا تعليم” ومهما قال سيتم انتقاده لأنه ما من حل فعلي مرتبط به وحده، فقطاع التعليم مرتبط بكل شيء في الدولة من قطاع الإتصالات إلى قطاع الصناعة إلى قطاع التجارة وبالتالي ما لم يكن هناك إصلاح في جميع المجالات، ستقع اليوم كل هموم التلميذ على أهله، وعلى الأساتذة الخصوصيين شئنا ذلك أم أبينا”.
وكتبت المدرّسة وسام ضو على صفحتها في فيسبوك “أطفالنا ابتعدوا كثيراً عن أجواء المدرسة المعتادة، وستكون أمامنا تحديات تربوية تعليمية كثيرة ناهيك عن الاهتمام بالوضع الصحي الذي سيأخذ الحيّز الأكبر من أولوياتنا. لقد فرضت علينا كورونا واقعاً جديداً وابرزه التباعد الاجتماعي الذي لم أرَ فيه خيراً الا امكانية وجود ايجابية واحدة الا وهي فرضية ابتعاد الأطفال بحكم عادة التباعد عن اللعب العنيف في ما بينهم وعن الأذى الذي يسببونه لبعضهم البعض اذا ما اشتد الصراع بينهم، وهذا غالباً ما كنا نلاحظه في مدارسنا. غداً سنعود إلى التدريس، لكن لم نعد نحن نحن، ولم تعد المدرسة كما هي، ولم يعد التعليم كما هو، ولم يعد الوطن كما هو”.