أبدأ مقالي بمقولة لنيلسون مانديلا تم تعليقها على مدخل احدى جامعات جنوب افريقيا:
«Destroying any nation does not require the use of atomic bombs or the use of long range missiles. It only requires lowering the quality of education and allowing cheating in the examinations by the students.
Patients die at the hands of such doctors.
Buildings collapse at the hands of such engineers.
Money is lost at the hands of such economists & accountants.
Humanity dies at the hands of such religious scholars.
Justice is lost at the hands of such judges…
The collapse of education is the collapse of the nation».
وسنحاول نقل روحية الترجمة:
«إنّ تدمير أي أمة لا يحتاج إلى قنابل نووية أو صواريخ بعيدة المدى.. ولكن يحتاج إلى تخفيض نوعية التعليم والسماح للطلبة بالغش..!!
فيموت المرضى على يد أطباء نجحوا بالغش..!
وتنهار البيوت على يد مهندسين نجحوا بالغش..!
وتُفقد الاموال على يد اقتصاديين ومحاسبين نجحوا بالغش..!
وتموت الانسانية على يد علماء دين نجحوا بالغش..!
ويضيع العدل على يد قضاة نجحوا بالغش..!
إنهيار التعليم = إنهيار الأمة»
علينا رفع الراية الحمراء اليوم للتنبيه الى مستقبل التعليم في لبنان، فنحن نواجه خطرا حقيقيا يتمثل بتراجع مستوى التعليم، يقول هيربرت ويلز (كاتب بريطاني) ان الحضارة هي سباق بين التعليم والكارثة (civilization is a race between education and catastrophe) ويبدو اننا سنواجه كارثة اذا لم نجد حلولا فاعلة.
تقسم مشكلة التعليم في لبنان الى جزءين:
1- التعليم الرسمي: من الواضح ان التعليم الرسمي فشل في تأمين تعليم في مستوى جيد والمؤشرات على ذلك واضحة:
– إبتعاد عدد كبير من المواطنين من كل الطوائف والمناطق عن تسجيل أبنائهم فيها، على رغم من الأزمة الاقتصادية وصعوبة سداد أقساط المدارس الخاصة، فالكثيرون منهم يفضلون مراكمة الديون على إرسال ابنائهم الى المدارس الرسمية.
– تدفع الدولة لموظفي القطاع العام والقطاعات العسكرية بدل تعليم لإرسال اولادهم الى المؤسسات التعليمية الخاصة. وهذا يعني أنها لا تثق بالتعليم الرسمي.
– والعجيب ان ذلك يشمل اساتذة التعليم الرسمي أنفسهم فتدفع لهم الدولة ليعلموا اولادهم في المؤسسات التعليمية الخاصة. مثل طاهٍ في مطعم يدفع له صاحب المطعم مالاً ليأكل في مطعم آخر.
– وعلى رغم من اننا لا نعرف ماذا تدفع الدولة للقطاع التعليمي الرسمي، ونسمع ارقاماً متضاربة، وعلى رغم من انها مخفية، الا اننا نعتقد انها غير مبررة، وهنا نعود الى قصة ابريق الزيت «اين أنتِ ايتها الشفافية المطلقة» لنستطيع ان نعرف الكلفة الحقيقية؟
وأود الاشارة هنا الى ملاحظتين اساسيتين:
– اولا، كون بعض الطلاب في المدارس الحكومية متفوقين لا يجعل من قطاع التعليم الرسمي ناجحا بل هي استثناءات، فدائماً يوجد عدد من الطلاب عندهم الرغبة والقدرة على العلم وسيتفوقون حتى ولو لم يذهبوا الى المدرسة، الحكم على الأداء يكون بتقييم المستوى العام لجميع التلامذة.
– ثانيا، هناك فارق بين مستوى المؤسسة التعليمية وفعاليتها، فالمستوى يُمكن ان تحصل عليه المؤسسة عبر غربلة التلاميذ واختيار المتفوقين، بينما تُقاس فعالية المؤسسة بقدرتها على تحقيق امكانية كل طالب.
2- التعليم الخاص: إنّ تدني فعالية التعليم الرسمي سمح لعدد كبير من المدارس الخاصة التي لا تملك الفعالية اللازمة ان تستمر، ولن ادخل في تفاصيل أكثر إلّا أن هذا يدفعنا الى مزيد من الانحدار.
أما المؤسسات التعليمية الخاصة اجمالاً، وبقطع النظر عن جودتها، فتتعرض الى مطالبة غير محقة من الاهالي والطلاب والمجتمع، واقول غير محقة، لأنّ مسؤولية التعليم تقع على الحكومة وليس على اي جهة أخرى، فهذه مؤسسات خاصة في إمكان المواطن شراء خدماتها او لا، منها من تبغي الربح رسمياً، منها من تدّعي انها لا تبغي الربح، ومنها لها أهداف أخرى.
ومراراً يطالب الاهالي والطلاب عبر لجان الاهل او مباشرة من المؤسسات التعليمية الخاصة بتحديد مداخيلها وارباحها. وهذا الأمر إذا استمر فإنه سيتسبب بزيادة تناقص الفعالية في هذه المؤسسات.
انّ التعليم هو مسؤولية الحكومة حصرياً كما قلنا، وقد نجحت الحكومات في تحويل الغضب الناتج من عدم قيامها بواجبها تجاه المؤسسات الخاصة، وتطلب منها تحمّل أعباء لا تريد ان تتحملها او تستغني عن ارباح لا تريد الاستغناء عنها.
إنني أصرّ على ان تتحمل الحكومة مسؤوليتها في التعليم، وحيث انها غير قادرة على تقديم تعليم فعّال (وهذا الواقع ينطبق على بلدان عدة)، لكنها قادرة ان «تضمّن» هذا التعليم لمؤسسات تعليمية خاصة، فتدفع الدولة للمؤسسة عن كل طالب لهدف أن تحصل على تعليم جيد، وسنشرح كيف يتم ذلك في مقال لاحق. كما أنني أودّ ان ألفت نظر الاهالي: «اذا كنتم فعلاً تعتبرون ان مدرسة اولادكم او جامعتهم تحقق الارباح، فمن السهل عليكم ان تجمعوا رأس المال اللازم وتقوموا بمشاريع مؤسسات تعليمية، فاذا كان لهذه المشاريع ربح فلن تجدوا صعوبة في تمويلها». أتعجّب أن هذا لا يحصل.
فحتى لو اراد اصحاب المؤسسات التعليمية الخاصة ان يستمروا على رغم من عدم تحقيق ارباح فليس في مقدورهم، حُكماً سيبدأون في خفض فعالية التعليم ونوعيته وصولا الى الاقفال.
أعود وأكرر قبل ان يفوت الأوان، طالبوا المسؤولين الذين لكم وصول اليهم بأن يدفعوا في اتجاه تضمين التعليم الرسمي لمؤسسات خاصة ولدينا اقتراحات حول تنفيذ ذلك، لا سيما انّ عدداً من الدول بدأت اعتماد هذا الحل، وانا متأكد من ان كثيرين في لبنان قادرون على تقديم اقتراحات في هذا السياق.
المهم اننا يجب ان نفكر جميعاً في هذا الموضوع لوقف الانحدار، قال الرئيس السابق لشركة IBM لوغرستنر: «إذا فرضت قوة خارجية معادية نظام التعليم هذا (أي النظام التعليمي الاميركي الحالي) على مدارسنا، يجب ان يُنظر إليه كإعلان حرب» .