يحكى في عدد من الدول العربية أن لجاناً تعمل على إعداد مناهج تعليمية جديدة لمادة التربية الإسلامية، وتضع استراتيجيات لمواجهة التطرف وتجفيف منابعه الفكرية. ففي مصر على سبيل المثال، تتخذ قرارات لا تزال صعبة التحقيق، كمحاولة إلغاء مادة التربية الإسلامية، وإدراج “القيم والحقوق” مكانها، من دون تغيير في الجوهر. لكن وفقاً للكتب المدرسية المصرية المعتمدة لمادة التعليم الديني الإسلامي، ثمة دين واحد صحيح هو الإسلام. وينقل أحد كتب الصف الثامن، الآية 85 من سورة آل عمران في القرآن تقول: “ومَن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين”. مع العلم ان الأزهر يشرف على مواد التعليم الديني في المدارس والجامعات.
وإذا كانت صيغة تعديل المادة في المناهج، هدفها نشر مبادئ الدين الإسلامي الحقيقية، وإعادة الصورة الحقيقية للإسلام الذي ينبذ العنف، لمواجهة التطرف، فإن تغيير المناهج لا يكفي، طالما أن لا رقابة على البيئة الموازية في المدارس الدينية والجمعيات، وحتى في دور العبادة، إذ كيف يمكن تفسير وجود تعليم علماني متنوع في تونس مثلاً، رغم رايتها الإسلامية، فيما يظهر التطرف الديني بأشكال مختلفة، على ما شهدنا من التحاق ألوف التونسيين بتنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات المتطرفة في سوريا والعراق. هذا يعني وجود مؤسسات موازية قادرة على استقطاب أجيال بما يشبه الدورة كل سنوات عدة، وكل جيل يبدو أكثر عنفاً من الذي سبقه.
ويتضح ان التعليم الديني بمضمونه المتداول اليوم، حتى في لبنان، يأخذ الشباب نحو العنف. وفي هذا التعليم يصبح المذهب في الإسلام أقوى من الدولة، فكيف اذا كانت تتلى في مدارس لبنانية مختلفة، تديرها جمعيات دينية، وهي مجانية خاصة، خُطب دينية مرتجلة، تحرض التلامذة على العنف وكره أبناء الطوائف الأخرى، وتحضّ المراهقين منهم على الجهاد. أما التعليم الديني في بعض المدارس الخاصة، فيتضمن كتباً دينية مؤلفة وفق مذهب معين من دون الأخذ بآراء المذاهب الأخرى، ما يزيد من عملية الاختلاف في الصف الواحد والمدرسة. وهكذا يسير التعليم وفق المناطق والمذاهب، في صفوف التدريس الديني الخاص لدى الهيئات الشرعية وجمعياتها. وإذا كان التعليم في لبنان لا يزال أكثر حرية مقارنة بالدول العربية، الا أن كل طائفة لديها مؤسسات أقوى من الدولة. ونتحدث هنا عن الطوائف الإسلامية، خصوصاً السنة والشيعة، طالما نشهد وجود مئات المدارس الخاصة المجانية الدينية، جزء منها متطرف، تدرس عشرات ألوف التلامذة بمنهاج خاص، الى جانب الرسمي، وما يمارس فيها أصبح مادة للتنبيه الدائم على الاختلاف بين أبناء المدرسة الواحدة والصفِّ الواحد. ليس استنتاجاً بأن التعليم في لبنان يتهاوى أو ينحدر الى مسار خطير، لكن ما يراكمه هذا النوع من التعليم في خطابه المتطرف الرديء الصياغة والمليء بإشارات تحرض على القتل والمذهبية، ينشئ جيلاً لبنانياً، أقل ما يقال عنه لخطورته “داعشياً”، ترعاه جماعات أصولية متطرفة. وهنا مكمن الخطورة.