Site icon IMLebanon

تربية «الزبون» الصالح

ــــ ١ ــــ

ماذا ستقولون لأطفالكم عن أيام شباب دولتكم..؟

كيف ستبررون تحول دولكم ـ الشائخة إلى جحيم أو فتافيت كعكة تتصارع عليها الضباع؟

هل ستقولون إنها مؤامرة؟

أم ستدفعونهم إلى موجات نوستالجيا هائمة إلى الدولة ـ الشابة؟

كيف ستتربى الأجيال القادمة على بطولات أدت إلى مآسٍ، هل سيفهمون مثلاً مفارقة ارتداء كاسترو قميص الأديداس بعد سنوات لم تفارق فيها البدلة العسكرية جلده؟

هل سيحبّون بوتين لأنه نشر قواته على الساحل السوري ضماناً لمصالحه؟ وهل سيفهمون التفاهم السعودي ـ الروسي لحل الأزمة؟ أم أن أوباما بمنطق الساحر يبشّر بنزع بشار الأسد من المعادلة لتستمر؟

هل سيفهمون تعقيدات «الشتات السوري» بعد معايشة دمية تتحدى أخلاق الإنسانية التي تربّت في مؤسسات الدولة ـ القومية؟

كيف سيتعلمون في المدارس أن «السيادة» في الدولة ـ القومية ما زالت حلماً مقدساً، بعد أن تحولت إلى شرط من شروط الجحيم الأرضي الذي تعيشه شعوب لها «سيادة» على حدودها، من دون آمان/ إنسانية؟

كيف سيفهمون «دعوة» السيسي عن «توسيع» كامب ديفيد، مصاحبة لإيقاع الحرب على الإرهاب، أو متزامنة مع أزمات داخلية ترتبط بالحريات والاقتصاد؟

اي تربية لأجيال ترى الروايات كلها في الوقت نفسه وقد خرجت من صناديق البروباغندا؟

وكيف ستكون مصداقية اجيال قديمة يعودون بمزاجهم أو بعجزهم إلى صناديق البروباغندا القديمة ليشعروا بالأمان في حماية انظمتهم الذكورية التي يتخيلونها مجنّحة تحقق المعجزات؟

ما هي المناهج التي تساعد الاجيال الجديدة على فهم ان الدولة في شيخوختها لم تعد صالحة للاستخدام الآدمي، وأن حروبها لكي تستعيد ركودها…؟

.. كيف ستفكر الأجيال القادمة في الثقب الاسود الذي نعيشه الآن؟

وهل يفكرون؟ هل يتعلمون في المدارس و الجامعات شيئا عن منظومة «الزبون» الصالح؟

ــــ 2 ــــ

المواطن زبون… يمنحونه رشوة ليمنحهم رخصة الاستبداد.

هذه قواعد تسري بين الدول والجماعات والأحزاب والطوائف.

وهذا ما خلقته الدولة ـ الشابة ليخدمها في مرحلة الدولة ـ الشيخة.

الدولة هنا أرض الغنائم للسلطة، تتشابه هنا الطبيعة البيروقراطية كما في مصر مع حصص الطوائف كما في لبنان.. وما بينهما في جمهوريات وممالك تعود إلى مزاج القرون الوسطي كما لو كانت سنوات التنوير والتحديث و مابعدهما مجرد قشور تتساقط رغم غلاظتها…

وكيف يمكن تفسير المشهد المريع في الحج حين داست الأقدام أمام نصب ابليس اكثر من 700 حاج، وبدلا من التفكير في ادارة حديثة لموسم الطقس الديني انتقلت الاتهامات الى مستويات مذهبية، تعكس الصراع السعودي ـ الايراني، وتشعل فتنة «السنة ـ والشيعة»؟

المشهد ينتمي (في الحدث/ وفي طرق معالجته) إلى قرون لم تتراكم فيها ثقافات وأخلاقيات نقلت الانسانية بعيداً عن عصور البربرية والتوحش، حيث القتل لا يهزّ شعرة او يتحول إلى عامل اضافي في حرب يراها مشعلوها أنها مقدسة او تبرر قتل الابرياء.

لا يعلمونهم الاسئلة، ولا التفكير، ولا النقد، في مسارات التربية والتعليم… يهتمون فقط بالطوابير والصفوف ليزرعوا فكرة «الحشد».. وهنا سنعثر على المفارقة: فالتلاميذ يُحشدون ضد «داعش» في المساء والسهرة مع بروباغندا الاعلام، بينما في مستعمرات ا»لزبون الصالح» يشربون مناهج «داعش..»

اي ان هذه الاجيال ينتظرون اتفاق اوباما وبوتين على طريقة الحرب على «داعش»، بينما هم انفسهم سيتحولون إلى جند «داعش» ومن سيرثها..

ــــ 3 ــــ

هل ستنقلون إلى اولادكم تعاليم «الزبونية» القديمة؟

هل ستقفون امام جحيم الدولة في شيخوختها؟ هل ستضحكون عليها كما تضحكون على كاسترو والأديداس؟ ام ستتخيلون ان اسامة بن لادن سيعود فعلا كمسيح اسلامي منتظر؟

هل ستصدقون الخرافات وتعتقدون ان صدام وبن لادن وعمر سليمان وربما غيرهم ما زالوا احياء وسيعودون في اللحظة المناسبة؟

هل تحلمون بالدولة ـ الشابة بعدما ارتكم نسختها الشيخة كل هذا العذاب والرعب والقتل؟

الأسئلة أوسع من الإجابات بما لا يمكن التغافل عنها… والتفكير أو التأمل سيقودنا إلى شيء أوسع قليلا مما يمليه «عقل الأزمة»

علّنا نفهم سر التقسيم الجديد لكعكة قديمة. لم يعد فيها ما يمكن التهامه.

هكذا يمكن ان ننظر لقادة «النظام العالمي» في الجمعية العامة رقم 70 وهم يقدمون مبادراتهم/خططهم/حروبهم لإنقاذ المنطقة من جحيمها.

الأمم المتحدة نظام يصل إلى وهنه الكبير.

فشلها الذي يتحول مع الايام إلى موسم بروتوكولي، لكنه مثير لإتاحته فرصة الفرجة المدهشة على الإغراء الذي تمثله فتافيت الكعكة: تحلم روسيا ببعضٍ من حصة «الاتحاد السوفياتي» في تشكيل النظام العالمي، أو أن تحافظ اميركا على اصابعها القديمة في منابع النفط بعد ان وصل اللوبي الخليجي إلى نيويورك وواشنطن، او ان التنين الصيني يتحرك ببطء ليشغل المساحات المنسية.

مشاهدة النهايات ليست مسلّية، خاصة عندما يصبح «الحراك» خارج الدفاع عن «زبونية عادلة»… مجرد اقلية مشاغبة تحاول الإنقاذ او الاصلاح ويحاربها كتل متنافرة من المحاربين لاستعادة الركود.