Site icon IMLebanon

«قانون كهرباء زحلة» المتسرّع: بُني على خطأ

 

 

خلال السنوات الأخيرة من مدة امتيازها، وبعد انقضاء قرن من الزمن على استثمار الامتياز المنتقل إليها، باشرت شركة كهرباء زحلة مشروعاً خاصاً بإنتاج الطاقة من مولّدات خاصة استأجرتها خارج أحكام دفتر شروط امتيازها، دون أي إذن أو إجازة أو ترخيص قانوني. وقبل انتهاء هذه المدة بشهر صدر القانون رقم 107 /2018، بمادة وحيدة وعلى عجل. وقد شملت بناءاته المادة 89 من الدستور، التي نصّت على حظر منح أي امتياز او تمديده إلّا بقانون، وعلى المادة 4 من قانون إنشاء مصلحة كهرباء لبنان، الصادر بالمرسوم رقم 16878 /1964، التي تمنع، بعد صدور هذا القانون، منح أي كان، أي امتياز أو رخصة أو إذن لإنتاج أو نقل أو توزيع الطاقة الكهربائية أو تجديد ذلك أو تمديده لأي سبب من الأسباب. وكذلك بُني القانون 107 /2018 على ضرورات ومقتضيات المصلحة العامة، التي تفرض «الإبقاء على الحالة القائمة» ضمن حدود نطاق الامتياز و»الاستفادة من الإمكانية المتاحة» لشركة كهرباء زحلة «لتقديم الخدمات اللازمة لعمل المرفق العام».

وعليه، فقد نصّ هذا القانون على تكليف مؤسسة كهرباء لبنان، بتوقيع «عقد تشغيلي» مع شركة كهرباء زحلة لـ«تقديم خدمات تسيير المرفق العام»، بما فيه الإنشاءات التابعة لامتيازها المنتهية مدّته والمولّدات «المستأجرة منه» و«أوجب» عليها أن تؤمّن التيار الكهربائي للمشتركين الواقعين ضمن نطاق امتيازها الجاري استرداده، وتقديم خدمات توزيع الكهرباء، لمدة أقصاها 24 شهراً من انتهاء أمد الامتياز في 31/12/2018. وبذلك يكون القانون قد شرّع لكهرباء زحلة إنتاج الكهرباء من مولّدات خاصة بها استأجرتها خارج إطار عقد امتيازها وبمعزل عن وزارة الطاقة، التي لم تطلع على الاستئجار ولم يصدر عنها لصالح الشركة أية موافقة أو ترخيص أو إذن بإنتاج الطاقة، لا من المولّدات ولا من غيرها.

 

وبربط أحكام هذا القانون ببناءاته، يتبيّن أنّ صياغته تعمّدت الإيحاء بأنّ «المولّدات مستأجرة من الامتياز»، لتبرير ربطها بامتياز التوزيع، وأنّه انطوى على تبرير ضمني لمخالفة قوانين أخرى ولمبدأ المساواة بين المواطنين المنصوص عليه في الدستور، معتبراً أنّ مقتضيات المصلحة العامة تفرض «الإبقاء على الحالة القائمة ضمن حدود نطاق الامتياز» وتأمين سير المرفق العام والتعويض عن عدم كفاية الطاقة المنتجة في معامل مؤسسة كهرباء لبنان، الأمر الذي يعني أنّ القانون 107 /2018 هدف إلى تشريع حالة واحدة ولشركة بعينها وبالإسم، هي شركة كهرباء زحلة لإنتاج الكهرباء من مولّداتها، دون غيرها من الشركات وأصحاب «المولّدات الخاصة» غير القانونية، القائمة في الواقع والمنتشرة في مختلف المناطق والمدن والقرى اللبنانية وأحيائها. وكذلك يكون قد ميّز بين مواطني منطقة لبنانية والمقيمين فيها، دون غيرهم من مواطني المناطق الأخرى، من خلال تأمين التغذية بالكهرباء على مدى 24 ساعة لمدينة زحلة وغيرها من القرى الواقعة ضمن نطاق الامتياز المنتهية مدته، مخالفاً بذلك الدستور ومبدأ المساواة في الحقوق والفرص بين المواطنين والأفراد اللبنانيين.

 

وبالفعل، فقد تمّ توقيع عقد التشغيل بين مؤسسة كهرباء لبنان وشركة كهرباء زحلة، وكرّس التمييز بين المواطنين، بحيث ضمن لمنطقة واحدة، دون غيرها، تأمين التغذية دون انقطاع يتجاوز الـ8 ساعات سنوياً.

 

صلاحية مطلقة للوزير دون ضوابط وتجاوز لحدّ السلطة

 

لقد فوّض القانون وزير الطاقة صلاحية مطلقة للبت بالتعرفة، واشترط أن تضمن بشكل عادل حقوق الطرفين في العقد، وذلك في حال عدم التوافق على هذا السعر، حيث له أن يقرّر السعر المُلزم للطرفين، وكذلك بالنسبة للخلافات المالية، دون تحديد أي أساس أو وضع ضوابط للوزير. هذا فضلاً عن تضمين العقد ما يسمح للشركة باستعمال الطرقات والاملاك العامة، بما في ذلك من تجاوز لحدّ السلطة. وفيما صدّق وزير الطاقة «عقد التشغيل» بين الطرفين، فقد أعادته وزارة المالية مع عدم الموافقة لأسباب عدة منها: حاجة المؤسسة لـ 6 مليارات ليرة لتغطية تكاليف استثمارات جديدة للشركة في زحلة دون إرفاق المستندات التبريرية اللازمة، واستمرار علاقة مستخدمي الامتياز بالشركة بالرغم من انتهاء مدة امتيازها، وعدم تسديدها حصّة الدولة من أرباحها، وربط التعرفة المعتمدة بتوازن الشركة المالي خلافاً للقانون 107 الذي حسم هذه المسألة، وإغفال العقد دور ديوان المحاسبة الملزم في تدقيق قيمة بدلات التأهيل والغرامات، المنصوص عنها في القانون، وأوجب على صاحب الامتياز تسديدها. والأخطر من بين مآخذ وزارة المالية، كان عدم تضمين العقد سعر بيع الطاقة من المؤسسة إلى الشركة ولا من الشركة إلى المشتركين.

 

وبناءً على تجارب الماضي في عدم التزام أصحاب الامتيازات بموجباتهم تجاه الدولة والإدارة، وعدم تقديم حسابات نظامية تعكس حقيقة «نتائج الاستثمار»، في إطار القواعد المحاسبية المتعارف عليها ومنطق عقد الامتياز وأحكامه، كان يجب أن نتوقع نفس نمط ونوعية النتائج والتعقيدات التطبيقية وعجز الإدارة عن ضبط الامتياز من خلال علاقتها الرقابية بأصحابه، وتراكم الخلافات والمخالفات دون معالجة.

 

ولفهم المقصود بنتائج تجارب الماضي، يكفي استعراض ما ورد في نص القانون نفسه بالنسبة إلى إقرار ودفع تسوية لثمن الطاقة المباعة من مؤسسة كهرباء لبنان إلى امتياز زحلة، تعود إلى 17 سنة تمتد من 2002 وحتى 2018، على أن تتضمن أيضاً معالجة موضوع بدلات التأهيل المتوجبة على الامتياز عن 4 سنوات بين 1996 و2001، والتي لم يسدّدها الامتياز طيلة تلك السنوات. وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق حول هذا الموضوع في المهلة المحدّدة، نصّ القانون على أن يعرض كل من الطرفين حساباته ويُحال الموضوع إلى ديوان المحاسبة للبت فيه بشكل ملزم للطرفين خلال مهلة شهر.

 

في تعذّر تطبيق بنود التحاسب والجرد وتدقيق حسابات الامتياز وفصل مقطوعية المشتركين

 

نصّ القانون على إجراء التحاسب بشأن مبالغ بدلات التأهيل وثمن الطاقة، واعتبارها متوجبة بذمة كهرباء زحلة. غير أنّه لم يحصل شيء من ذلك، وكذلك بالنسبة إلى تدقيق حسابات الامتياز، «وفقاً للمعايير التي اعتمدتها المديرية العامة للاستثمار»، وإلى تشكيل اللجنة، المفترض ان تتولّى استلام المنشآت والتجهيزات العائدة الى امتياز التوزيع، بعد جردها والتأكّد من حالتها ووضعيتها فنياً ومن سلامتها، لتعيد تسليمها الى كهرباء لبنان وتحويلها اليها، لتمكين هذه الأخيرة من التعاقد على تشغيلها، وهذا ما لم يتحقق بالرغم من توقيع العقد ودخوله حيز التطبيق وانقضاء أكثر من ثلثي مدته، بحيث يكون جرى التعاقد دون تنفيذ موجب الاستلام والتسليم.

 

ويبدو أنّ نتائج تطبيق العقد الموقّع بين كهرباء لبنان وكهرباء زحلة، حتى تاريخه لم تكن أفضل من نتائج تطبيق أصل عقد الامتياز، لا سيما وأنّ الشركة لم تلتزم بتركيب العدادات لجميع المشتركين المنصوص عليها في الفقرة ج من البند 2 من القانون، واللازمة لفصل مقطوعيتهم المستمدة من كهرباء لبنان عن تلك المستمدة من مولدات شركة كهرباء زحلة، وإصدار فواتير خاصة بكل من المقطوعيتين، وذلك بعد مرور أكثر من 18 من أصل الـ 24 شهراً، التي تمثل الحدّ الأقصى للمدة التي أجاز القانون تقديم خدمات تسيير المرفق العام خلالها. يضاف إلى ذلك، استحالة تنفيذ البند المتعلق من القانون بتكليف المديرية العامة للاستثمار القيام بتدقيق حسابات الامتياز، التي لم تتمكن من تدقيقها طيلة عمر الامتياز أصلاً وتمديداً.

 

بناءً عليه، ومع اقتراب انتهاء مدة العقد أواخر 2020، يجب أن نتوقع السيناريو عينه والمطالبة بـ»الإبقاء على الحالة القائمة» و»الاستفادة من الإمكانية المتاحة» واستمرار شركة كهرباء زحلة بتقديم الخدمات اللازمة لعمل المرفق العام، بحيث يشمل التمديد هذه المرة للمولّدات الخاصة، بعد أن اكتسبت مشروعيتها من القانون 107 /2018. ويبدو أنّ التحضير جار حالياً لعقد مصالحة بين كهرباء لبنان وكهرباء زحلة على النتائج المالية لتنفيذ العقد، والتمهيد «للتمديد» مجدداً.

 

إنّ قانون «كهرباء زحلة» ليس فريداً بين القوانين الحديثة المتسرّعة، التي يفرضها توازن القوى والمسايرة السياسية والضغوط الخارجية على المجلس النيابي، دون مراعاة تجارب الماضي والواقع، وقبل التحقق من اتفاقها مع النصوص النافذة ومن حقيقة مراعاتها لمقتضيات المصلحة العامة، وللمبادئ المفترض أن تحكم التشريع.

 

لقد أثبت أصحاب امتيازات القرن الماضي تفوقهم على الدولة، بدليل كثافة وغرابة الأحكام والآراء والاجتهادات القضائية التي صدرت دائماً لصالحهم وحماية مصالحهم، فكيف اليوم بوجود وزراء يقفون خلف الجدد منهم وتربطهم بهم مصالح مشتركة. وثابت أيضاً أنّ بلديات المدن القادرة هي أولى من هؤلاء في الحرص على مصلحة أبنائها، وللبحث تتمة.