وأخيراً جاء دور مصر. لقد قرر الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله أن يخرج إلى العلن بمواقف اعتقد أنّها تصيب عصفورين بحجر واحد، فإذا بهذه المواقف تصيب قائلها مرة جديدة بلعنة التناقض الفاضح، الذي لا يبدأ من الحرص المزيّف على مصر- كامب ديفيد، ولا ينتهي بمشهد استجداء الأموال والمساعدة من دول الخليج، في الوقت نفسه الذي يساعد فيه «حزب الله» الحوثيين على تهديد أمن الخليج واستقراره. وبناء عليه لا بد من السؤال: ما الهدف من هذه الإطلالات التي يتطرق فيها الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله إلى بعض الدول العربية؟ هل هو التخريب المتعمد لآخر ما تبقى للبنان من علاقات مع العرب؟
يتخطى نصرالله عمداً أو سهواً حجم المساعدات الضخمة التي قدمتها دول الخليج لمصر، محاولاً ايجاد شرخ في العلاقة بين مصر والخليج، كما يتجاوز النتائج المترتبة عن الأزمة العالمية التي أصابت الاقتصاد بعد الحرب الأوكرانية، ليركّز على أنّ مصر متروكة لقدرها، وهذا بالطبع يخالف الوقائع والأرقام.
عندما يستعرض «حزب الله» عضلاته الاقتصادية، ويدخل أمينه العام في لعبة المزايدة السياسية، يصبح من الواجب تذكيره بمعطيين متعارضين حتى النقيض: الأول مرتبط بالمساعدات الخليجية لدول كمصر ولبنان ولا داعي لتكرار لغة العدّ والأرقام فهي تتكلم عن نفسها. والثاني مرتبط بالمساهمات الإيرانية في تدمير اقتصادات الدول التي سيطرت عليها… والأمثلة حيّة وناطقة من العراق الذي تنهار عملته وهو صاحب أكبر مخزون نفطي، إلى لبنان الذي غطّى فيه ممثل ايران أكبر مافيا سياسية ومكّنها من سرقة شعب بكامله، كل ذلك تحت عنوان حماية المقاومة، إلى اليمن الحزين الذي حوّله الحوثيون إلى انقلاب دائم وفقر وفقدان للأمل، إلى سوريا ومأساتها الموقعة من الحرس الثوري الايراني.
لم يكتف نصرالله بالمزايدة على دول الخليج، بعدما ساهم حزبه في وقف مساعداتها للبنان، بل شملت المزايدة هذه المرة مصر، التي حاول تصوير مشكلتها الاقتصادية على أنّها نتيجة لكامب ديفيد، متجاهلاً في نظرية المؤامرة هذه، كلّ الأرقام والوقائع الاقتصادية، والأسباب العميقة للأزمة.
هذه الاطلالات التي تستهدف تأليب الرأي العام المصري على الدولة المصرية، وايجاد شرخ في العلاقة بين دول الخليج ومصر، كان ينقصها فقط تقديم عرض ايراني لمصر بإنعاش اقتصادها وضخ مئات المليارات في الاقتصاد المصري. لكنّ ذلك الحلم لن يصبح حقيقة، فإيران في أيام البحبوحة والحصار، لم تهتم الّا بتمويل بعض النشاطات «الإنسانية» في العراق واليمن ولبنان، وهي أيضاً اهتمت بمشاركة العراق في ثروته النفطية، فكانت أمواله تصرف لتغذّي الاقتصاد الايراني، وبات قطاعه المصرفي على اللائحة السوداء جرّاء استخدامه من قبل إيران للتهرب من العقوبات، فهل هناك أفضل من هذه «الهبات» الايرانية لمساعدة الدول الصديقة؟
إنّه «النموذج» الذي يجب أن يُحتذى بالعلاقات بين الدول، ولم يكن ينقص السيد نصرالله إلّا بعض الانتباه وهو يطلق نظرياته التي تجافي الواقع إلّا أن هناك جيلاً عربياً بات قادراً على التمييز، ولديه الوعي والمعرفة الكافيين، لوضع نظريات المؤامرة في المكان التي تستحق.