في مؤتمر شرم الشيخ لدعم مصر انتصر الخارج على الداخل. والشعب مغيَّب.
في الانتخابات الإسرائيلية انتصر الداخل على الخارج. والناس يقررون.
في مؤتمر شرم الشيخ أقرت لمصر مساعدات بما يوازي 130 مليار دولار، 37 مليارا منها هبات وقروض لمشاريع تتعلق بالبنى التحتية، والباقي من المبلغ اتفاقات مبدئية على قروض من هذا النوع أيضاً.
اختارت مصر التدفقات المالية الخارجية للاستثمار في مشاريع النهوض الاقتصادي. لا ندري ما هو دور الرأسمالية المصرية في ذلك. المعلوم أن الرساميل المصرية المهربة إلى الخارج ضخمة جداً. يبدو أن ممثلي هذه الطبقة، وقد برّئوا في المحاكم في الوقت الذي حكم على شباب ثورة 2011 و2012 بالسجن، بعضهم لمدى الحياة، لن يشاركوا، أو إذا شاركوا فسيكون ذلك بوضعية مقاولي الباطن للشركات الأجنبية. سيكون العمل في المشاريع كله على عاتق فقراء مصر، وستجني الأرباح الشركات الأجنبية وممثلوها في الداخل.
يستفاد من تجربة البلدان المتأخرة التي خرجت من وضعها المهمش الذي كان في أدنى ترتيب الدول على سلم مستويات الدخل، وقد فعلت ذلك بالاعتماد على الرأسمال المحلي والقوى العاملة في الداخل. ستكون المدخرات المحلية هي الأساس في إعادة الاستثمار. وتكون التنمية عملية مستدامة.
إن التدفقات المالية الخارجية تخرج من البلد حين تجد الحالة السياسية قد تغيرت إلى ما لا يعجبها؛ وهذا ما حدث في شرق آسيا في العام 1997، ما أحدث أزمة اقتصادية خاصة في مجال العقارات المبنية. والجزء الكبير من المشروعات المنوي تنفيذها بناء على شرم الشيخ هي ذات طابع عقاري، ما ينذر بأخطار غير مقدرة. لكن هروب الرساميل الوافدة يمكن أن يسبب أزمة، في حال اعتمد الضغط الخارجي على البلد، أي يحدث نتيجة أزمة في حال أريد لها أن تقع لأسباب خارجية. في الحالتين تكون التنمية المستدامة في خطر.
أما الصناعة والزراعة، فإننا لا ندري من الأرقام المتاحة، مدى التثمير فيهما. مما يثير تساؤلات حول جدية أية تنمية لا يكون الإنتاج المادي الزراعي والصناعي هما الأساس فيها. إن الإنتاج الزراعي والصناعي يعني قبل كل شيء سد حاجات الجماهير الفقيرة بالسلع التي يحتاجونها من أجل سد حاجات الغذاء والمأوى بأسعار مناسبة للفقراء، إن لم نقل رخيصة. الرساميل الوافدة من الخارج أولويتها الربح لا سد حاجات الناس. هذا مع العلم أن مصر تستورد معظم المواد الغذائية ومواد البناء.
أما نقل العاصمة، وإن فسّر على أساس تقني إداري، فإن له أبعاداً سياسية. هل يعني ذلك استبعاد ميدان التحرير عن مركز القرار السياسي؟ المخيف بالنسبة لأصحاب الرساميل الوافدة وللطبقات العليا في مصر، وفي كل البلدان، هو المغزى السياسي لميدان التحرير الذي علّم الكثير من البلدان الأخرى في العالم حقيقة الثورة ومغزاها. إن الأنظمة العربية الداعمة لحكام مصر تخاف من ميدان التحرير، ومن فيض معنى ميدان التحرير إلى بلدانها. والثورة المضادة همها الأول إزالة مفاعيل ميدان التحرير الثورية.
أما «إرادة» الشعب فهي مغيبة، ليس لأن الانتخابات النيابية أُجِّلت، وحسب، بل لأن مواضيع شرم الشيخ لم تناقش من أجل بناء رأي عام حولها، بل أعلنت بعد إقرارها في مؤتمر منعزل، وما على الشعب إلا القبول بها؛ فكأنه لا مهمة للشعب إلا الانصياع لقرارات أخذت بغض النظر عن إرادته. وهذا يذكرنا بعهود الاستبداد السابقة.
أما سرور الرئيس السيسي الفائق الذي أبداه في خطاب آخر المؤتمر، فهو ينم عن رضا كامل بالمهمة التي انتدبت إليها مصر. ولا يعقل أن تكون هناك تقديمات لبلد، إذا كانت بالضخامة التي أعلن عنها، من دون مقابل على الصعيدين السياسي والعسكري في مصر والمنطقة العربية.
أما إسرائيل فهي عدو وجودي للعرب، سواء نجح في انتخاباتها هذا الحزب أو ذاك. ربما كان الفرق بينهما الاختلاف حول سرعة بناء المستعمرات، أي طول الفترة الزمنية التي تنتزع فيها الأرض العربية. لا يعنينا نجاح هذا الحزب الإسرائيلي أو ذاك، سوى أن الضغوطات الخارجية التي بدا أنها بذلت لإنجاح الفريق الخصم لنتنياهو لم تفلح.
تهزمنا إسرائيل ليس بسبب قوتها، فهي ليست أقوى من العرب، بل بسبب علاقة دولتها بشعبها، ولو كان يمينياً محافظاً وفاشياً. وننهزم نحن بسبب العلاقة المقطوعة بين الحكام وشعوبهم، وانصياع الحكام للخارج، حتى ولو كان ذلك باسم التنمية والحاجة المفتعلة لرساميل أجنبية تسمى استثمارات!