العقد لا تزال مستعصية.. وسباق حاد بين الانفراج السياسي والانفجار الاجتماعي
هل اقتربت الحكومة من موعد خروجها إلى النور، في ظل الحراك المصري والفرنسي في سبيل تحقيق هذا الهدف، أم أن المقاربة الجديدة التي حكي عنها في الساعات الماضية لعملية التأليف ما تزال تصطدم بعوائق تحول دون التشكيل وبالتالي تُبقي البلاد في دائرة المحظور؟
لا يستند المتفائلون بقرب التفاهم إلى توليفة حكومية بين القوى السياسية إلى أي معطى جدي في قبضة اليد، وهم يبنون هذا التفاؤل على الاندفاعتين المصرية والفرنسية في اتجاه طرح بعض الأفكار التي علّ وعسّى تؤدي إلى تذليل العقبات الموجودة وبالتالي الذهاب إلى تأليف حكومة تضع حداً للانهيار الحاصل في لبنان على كل المستويات.
وإذا كانت حركة الاتصالات في الداخل والخارج ستتكثف في بحر هذا الأسبوع الذي يعتبره البعض من المتعاطين في الشأن السياسي مفصلياً لجهة تحديد مسار التأليف، فإن مصادر سياسية عليمة تؤكد أنه بالرغم مما قيل ويقال عن إمكانية أحداث خرق قريب في جدار أزمة التأليف، فإن الأمور ما تزال مستعصية، حيث ما إن يتم تفكيك عقدة من العقد التي تعترض عملية ولادة الحكومة حتى يبرز الكثير من العقد التي تعيد عملية التأليف إلى المربع الأول، حتى حار سعاة الخير بأمرهم ومالوا إلى الجزم بأن هناك قطبة مخفية سرعان ما تُبدّد أي مناخات تفاؤلية بهذا الشأن.
وفي رأي المصادر أن طرح الـ24 وزيراً يُشكّل نقطة انطلاق إيجابية في اتجاه الوصول إلى قواسم مشتركة بين الأطراف المتنازعة على هذا الاستحقاق، لكنها في الوقت ذاته ترى أن القوى السياسية التي فشلت في التفاهم على حكومة اختصاصيين من 18 وزيراً لن تتفاهم على حكومة من 24 وزيراً، وبالتالي فإن البحث يتركز على جملة خيارات الآن لكي لا تبقى الأمور أمام الحائط المسدود كون أن لبنان لم يعد قادراً في ظل الأزمات التي تلتف على عنقه على الاستمرار، وأن الانهيار الذي لطالما حذّرت منه جهات في الداخل والخارج يقترب ليصبح واقعاً ويدخل معه لبنان في المجهول.
لا معطيات جدية في قبضة اليد توحي بقرب التفاهم على التوليفة الحكومية
وفي تقدير هذه المصادر أن القوى السياسية المعنية بأمر التأليف تلعب لعبة خطيرة، وهي فتح المجال أمام تأزم الوضع المالي والاقتصادي لعل ذلك في اعتقادهم يسهل الأمر أمام تمرير عملية التأليف بالشكل الذي يتناسب ومصالحهم ويحافظ على مكتسباتهم السياسية والطائفية، فعادة تحصل أي معركة بين طرفين بالقنابل والرصاص، ولكن اليوم المعركة الحاصلة هي بالنّاس، وكأن السياسيين يتعاطون مع شعبهم على انه عدو وهو أمر مستغرب ويبعث على الريبة.
وتجزم المصادر انه في حال بقي الرئيسين عون والحريري على مواقفهما المتصلبة، فإنه من العبث التفكير بإمكانية إحداث خرق نوعي في جدار الأزمة الحكومية، لا على مستوى الداخل من خلال الطروحات المتداولة، ولا على مستوى الخارج من خلال ما يقال عن تدخل مصري – فرنسي على خط الوساطات، وبالتالي سنكون أمام مزيد من التدهور الاقتصادي والمالي والتبعثر السياسي.
وتؤكد المصادر أن المصريين كما الفرنسيين جادّون في بذل الجهود لإخراج لبنان من أزمته وتحديداً الحكومية منها، وهم يسعون بشكل حثيث لاحداث خرق فاعل في جدار هذه الأزمة، في الوقت الذي أقفلت فيه كل آفاق الحلول على مستوى الداخل بالرغم من تحريك الرئيس نبيه برّي عجلة مساعية الرامية إلى تقريب المسافات بين قصر بعبدا وبيت الوسط.
لكن هذه المصادر ترى أن الحراك المصري غير مُنسّق مع ما تقوم به باريس، وان كانا يلتقيان على هدف واحد هو بلوغ تأليف حكومة جديدة تشرع بالاصلاحات التي تعيد الثقة الدولية بلبنان وبالتالي تساهم في تغيير نظرة المجتمع الدولي حيال لبنان فيقدم له المساعدة التي تخرجه من النفق الاقتصادي والاجتماعي الذي يطبق على أنفاس مواطنيه، كاشفة عن أن الجانب المصري غير راضٍ عمّا يقدمه الجانب الفرنسي من تنازلات في سبيل تأليف الحكومة، وكما الموقف المصري كذلك الموقف الأميركي الذي ما زال يغرد بعيداً عن الأجواء الفرنسية وان كان لا يمانع تولي الفرنسيين أمر التأليف لكن لدى الاميركيين بعض التحفظات والمطالب التي يريدون تحقيقها قبل إعطاء الضوء الاخضر النهائي لانطلاق عملية التأليف.
كما تكشف هذه المصادر أن الرئيس المكلف سعد الحريري وإن كان يقوم بما بوسعه بغية إنضاج الطبخة الحكومية والذهاب باتجاه الإصلاحات التي تعتبر الباب لشروع المجتمع الدولي في مساعدة لبنان، قد أبلغ من يعنيهم الأمر من الفرنسيين بأنه غير قادر على السير بالتنازلات التي تطرحها باريس للوصول إلى قواسم مشتركة لبنانياً تؤدي إلى إعلان مراسيم الحكومة، مشددة في هذا المجال على أن بحر هذا الأسبوع سيكون حافلاً بالاتصالات والمشاورات في الداخل والخارج بغية تذليل العقبات وتعبيد الطريق أمام ولادة الحكومة، معتبرة أن النصف الأوّل من نيسان سيكون مفصلياً فإما نذهب باتجاه الانفراج السياسي أو نصل الى الانفجار الاجتماعي الذي باتت ملامحه تلوح في الأفق.