IMLebanon

مصر ومرحلة ما بعد الأسد

مسؤول عربي بارز يشارك في الجهود الدولية والإقليمية المتعلقة بالأزمة السورية شدد في لقاء خاص على “ان القيادة المصرية لن تقوم بأي تحرك ديبلوماسي وسياسي يهدف الى الدفاع عن الرئيس بشار الأسد ومحاولة إنقاذه وحمايته من السقوط وضمان بقاء نظامه، وهي ليست معنية بمصير شخص أو أشخاص معيّنين، بل انها معنية بمصير بلد ودولة وشعب بكل مكوناته وترغب في العمل على وضع حد نهائي لأكبر مأساة إنسانية عرفها العالم العربي منذ نكبة فلسطين”. وأوضح المسؤول “ان القيادة المصرية تحيط جهودها بالكتمان التام لكنها في الواقع تخطط سراً لمرحلة ما بعد الأسد ولبناء سوريا جديدة وليس لإعادة أحياء سوريا التي أنهكتها الثورة الشعبية والحرب الكارثية غير المسبوقة التي تسببت بدمار وخراب هائلين وشردت نصف الشعب في الداخل والخارج. وحساسية هذه القضية تدفع مسؤولين مصريين الى إجراء اتصالات سرية متعددة مع جهات وشخصيات داخل سوريا وربما من داخل النظام، إضافة الى اتصالات علنية وغير علنية مع قوى المعارضة المعتدلة ومع مسؤولين أميركيين وفرنسيين وغربيين وعرب من أجل محاولة الإعداد للمرحلة الجديدة المقبلة”.

وقال المسؤول العربي إن القيادة المصرية “تدرك تماماً ان أي مشروع حل للأزمة السورية يرتكز على بقاء الأسد في السلطة والحفاظ على نظامه سيفشل منذ اليوم الأول وسترفضه القوى السورية المعارضة والدول الغربية والعربية والإقليمية المؤثرة والمعنية بالأمر باستثناء إيران. كما يدرك المسؤولون المصريون، من غير إعلان ذلك رسمياً، ان أي حل جدي شامل يهدف الى بناء سوريا الجديدة ويضمن بقاءها موحدة يجب أن يرتكز على العوامل والمعطيات الأساسية الآتية:

أولاً – يجب التخلي عن خيار الحسم العسكري التدميري والاعتراف بوجود شعب محتج له مطالبه المشروعة والموافقة على حل الأزمة من طريق المفاوضات بين الأطراف السوريين على أساس مشروع يمكن أن يكون بيان جنيف المؤرخ 30 حزيران 2012 أو على أساس مشروع مشابه له. ويدعو بيان جنيف خصوصاً الى نقل السلطة الى نظام جديد تعددي بالتوافق بين الأفرقاء المعنيين.

ثانياً – يجب أن يهدف مشروع الحل الى تحقيق المصالح الحيوية المشروعة لكل مكونات الشعب السوري وليس الحفاظ على مصالح مجموعة محددة أو فئة معينة، ويجب أن يحقق تطلعات الشعب في بناء نظام ديموقراطي تعددي يعكس تنوعه وينسجم مع معطيات الواقع.

ثالثاً – أي مشروع حل جدي يجب أن يكتسب شرعية شعبية حقيقية مما يتطلب إجراء انتخابات نيابية ورئاسية تعددية حرة في إشراف دولي مناسب من أجل تكريس أي تفاهمات يتوصل اليها الأفرقاء في المفاوضات. ومن الطبيعي التفاهم على وجود مرحلة انتقالية وهيئة حكم انتقالي تشرف على عملية صوغ دستور جديد وإجراء الانتخابات والسماح بوجود تعددية سياسية، خصوصاً ان النظام المصري قائم على التعددية السياسية والحزبية ويستمد شرعيته من انتخابات حرة.

رابعاً – إنقاذ سوريا يتطلب إعادة بناء ما تبقى من الدولة ومؤسساتها على أساس الصيغة الجديدة المفترض التفاهم عليها في المفاوضات وعلى أساس إنجاز مصالحة وطنية شاملة. وتحقيق هذا الهدف الكبير يتطلب إيجاد حل للأزمة عادل ومتوازن يضمن الحقوق والمصالح المشروعة لكل مكونات الشعب ويلقى دعماً من الدول المؤثرة.

خامساً – تدرك القيادة المصرية تعقيدات الأزمة السورية وأهمية الصراع الإقليمي – الدولي على سوريا وهي على هذا الأساس ترفض في هذه المرحلة أن تطرح علناً مبادرة محددة للحل وتكتفي بمواصلة المشاورات والاتصالات ذات الطابع السري عموماً من أجل محاولة حشد التأييد الضروري لأي تحرك رسمي يمكن أن تقوم به لاحقاً. ولعل أقصى ما ترغب القاهرة في تحقيقه في هذه المرحلة هو عقد مؤتمر حوار بين ممثلين للنظام وللمعارضة على غرار مؤتمر جنيف ويمكن تسميته “جنيف العربي” تناقش فيه إقتراحات وأفكار محددة من أجل محاولة التفاهم بين السوريين على مشروع موحد لإنهاء مأساة سوريا. لكن هذا المسعى المصري لم يحقق حتى الآن نتائج عملية ملموسة.

وخلص المسؤول العربي الى القول: “لن تعترف القيادة المصرية علناً بأنها تخطط سراً لمرحلة ما بعد الأسد، لكن هذا هو الواقع. وهذا ما يدفع جهات بارزة معادية للنظام السوري الى مساندة جهود القاهرة. وأفضل حماية للتحرك الديبلوماسي المصري المتواصل هو التمسك بالسرية والتشديد على ضرورة إعطاء الأولوية لإنقاذ سوريا وليس لإنقاذ طرف أو جهة أو شخص، وللحفاظ على وحدتها ورفع المعاناة الرهيبة عن شعبها”.