ليس في المنطقة والعالم ارهاب مجّاني بلا وظيفة، وان بدا في بعض العمليات عشوائيا أو أسوأ من أي ممارسة شيطانية. فلا الذين قتلوا وجرحوا مئات المصلين في مسجد الروضة شمال سيناء هم أهل مظلومية يعملون للتعبير الدموي عنها. ولا قتل مسلمين أبرياء دفاعا عن دين الله، كما يقال في بيانات الارهابيين، هو مجرد تجسيد لفكر تكفيري. ولم يكن من باب استباق الأمور ان يركّز الرئيس عبدالفتاح السيسي على قراءة وطنية وسياسية، الى جانب العاطفة والمأساة الانسانية في هذه الجريمة المروعة.
ذلك ان مصر مستهدفة بشكل خاص منذ السقوط السريع لحكم الاخوان المسلمين الذي كان حلقة مركزية في سلسلة التخطيط لإمساك الاسلام السياسي بالسلطة في المنطقة ضمن رعاية دولية. والعمليات الارهابية التي تكررت واستهدف بعضها الكنائس والأديرة كان وراء منفذيها ممولون ومسلحون ومخططون في أجهزة دول تريد اسقاط النظام المصري أو أقلّه زعزعة استقرار البلد وازعاج السلطة واجبارها على الاستنفار بما يحول دون العمل على التنمية البشرية وحلّ قضايا الناس الملحّة. وأبسط ما يدلّ على التخطيط المنهجي لذلك ان مصر، بجيشها القوي وأجهزتها الأمنية المتمرّسة وقوة الأزهر الشريف في محاربة الفكر التكفيري، لم تستطع القضاء على الارهاب.
لكن الارهاب الذي يقول الرئيس السيسي ان مصر تحاربه وحدها بالنيابة عن المنطقة والعالم، يضرب المنطقة والعالم برغم ثلاثة تحالفات اقليمية ودولية لمحاربته. وليس أمام أميركا وروسيا وايران والسعودية وأوروبا التي يحتفل بعضها بالنصر على داعش سوى مواجهة مرحلة جديدة من الارهاب. أولا لأن محاربة الارهاب الداعشي والقاعدي السنّي بميليشيات شيعية وقوى دولية مسيحية بدل محاربته بقوى وطنية تقود الى ردّ فعل يخلق تنظيمات أشدّ تطرفا من داعش والقاعدة. وثانيا لأن ما بعد القضاء على دولة الخلافة الداعشية هو تكثيف العمليات الارهابية المنظمة والتي يقوم بها ذئاب منفردون.
وليس سرّا ان السلفية الجهادية تعمل لتحقيق هدفها الكبير، وهو الخلافة، على مراحل. المراحل الأولى هي النكاية المتصلة ب ادارة التوحش حيث الارهاب لزعزعة الاستقرار في الأنظمة والمجتمعات. والمراحل الأخيرة هي التمكين حيث اقامة الخلافة حين تنضج ظروفها ثم تقوية الشوكة وتغيير المجتمع من دون التخلّي عن الارهاب خارج أرض الخلافة. واليوم يبدو داعش محكوما بالسير على الطريق المعاكس: من التمكين الذي سقط الى النكاية وادارة التوحش.
والحرب على الارهاب تكون شاملة بالتعاون بين كل القوى أو لا تكون سوى سياسات ملتوية بحسابات صغيرة.