Site icon IMLebanon

مصر والعرب: ازدياد القمع وهشاشة السلطة

هجوم على الصحافة، على الإعلام عامة. يدخل رجال أمنيون إلى مقر نقابة الصحافة في مصر ويعتقلون صحافيين، ويهددون باعتقال آخرين في حال كتب ما يعتبر إهانة لموظف شرطي كبير، فكيف في ما إذا كان رئيساً؟ فنون جديدة في القمع والتنكيل. ضغوط جديدة على مجتمعات تعاني أساساً من ضغوط معيشية كبيرة. شعوب مقهورة على جميع الأصعدة. المأخذ الوحيد عليها بنظر السلطات الحاكمة في المنظومة العربية، من المحيط إلى الخليج، هو انها ملأت الميادين في العام 2011، تكلمت، عبّرت عن مطالبها، بالأحرى صار لها مطالب، صار لها لسان تتكلم به.

لا تخاف أنظمة الطغيان شيئاً بمقدار ما تخاف الكلام، خاصة الكلام المطبوع، بالاذن من غير المطبوع، هذا يجيء ويأتي، تسمعه بأذن ويخرج من الاذن الأخرى. المطبوع يبقى. الكلام المسموع، يؤثر فيك لحظة سماعه. ربما كان تأثيره كبيراً، لكنه ليس كالمطبوع.

تخاف انظمتنا العربية الكلام بجميع اشكاله، لأنها أنظمة هشة، أنظمة فقدت شرعيتها منذ زمن بعيد، وتكرس ذلك في العام 2011، عام الثورة العربية الواحدة من المحيط إلى المحيط. لم تختلف المطالب، التي محورها الكرامة والحرية والعيش الكريم، وإن اختلفت معالجات السلطات لها. حرب أهلية هنا وهناك، احتلال هنا أو فتنة هناك. تهديد بالقمع في كل مكان. يشتد القمع في كل مكان، بأجر ومن دون أجر (للسلطات، وبشكل استثمارات مالية أحياناً، استغلال لفقر الفقراء، المهم ان لا يطالبوا بحريتهم، المهم ان يبقى أهل السلطة: حرباً أو شراء). لم يعد للنظام السياسي العربي مكان بيننا. أصر منذ 2011 ان لا يتغير. مصيره تقرره الشعوب العربية. لن يكون زمن ذلك طويلاً.

اذكر لقاء حدث بين زعيمين عربيين منذ حوالي 15 عاماً، كلاهما الآن في ذمة الله، واحد اطيح، وآخر اغتيل. كان اللقاء ساعة، استغرق الحديث عتاباً لمدة ثلاثة أرباع الساعة من اللقاء حول مقال كتب في صحيفة يمتلكها أحدهما. المقال يدور حول كاتب سجن وطرد ونفي بسبب كتاب أصدره. كانت التهمة في عهد ذلك الرئيس العلماني دينية، التهمة اليوم إهانة «الرئيس» أو حتى مدير الشرطة. كم أخطأ ثوار 2011 عندما غيروا شعارهم من «يسقط، يسقط حكم العسكر» إلى «جيش وشعب وشرطة، يد واحدة».

تخاف الأنظمة من الكلام. تكلم عن كل شيء إلا عن شؤون بلادك. كن تافها، كن من «أولاد القحبة» الذين وصفهم مظفر النواب، لا هم. المهم ان تبتعد عن السياسة، بذلك تنجو بنفسك. المطلوب لدى الأنظمة تفاهة القول، والمطلوب لدى مجتمعاتنا القول في السياسة، أي التعبير عن وجدان المجتمع وعواطفه ومطالبه.

يلغ في التفاهة أهل السلطة في بلادنا العربية، ويريد الناس ولوج السياسة. تطال السياسة حتماً فراعين السلطة وطغاتها وملوكها ورؤساءها الوراثيين، الخ… لن يطول الأمر حتى يسقطوا، إذ الشعوب التي استفاقت في الميادين عام 2011 لن تنام، لن تهدأ مهما بلغ القمع والقسر وإرهاب السلطة.

أما المثقفون فلم يدركوا بعد خمس سنوات انه آن الأوان لإنشاء تنظيمات ورسم برامج واختيار ايديولوجيات؟

أما آن الأوان للخروج من خيمة هذا الحاكم أو ذاك أو هذا الأمير أو ذاك؟ أما آن الأوان للإقلاع عن توجيه التهم لشعبنا بأنه يشكل «مجتمعات هشة» لا تستحق الثورة؟ يتحدثون وكأن هناك تجمعات هشة وأخرى غير هشة في هذا العالم. الفرق، أيها السادة، هو بين دولة متماسكة تنال الشرعية من شعبها بالعمل والإنتاج والمشاركة والحرية، وبين دول كدولنا لا هم لها إلا اقتناء واستخدام وسائل القمع والاكراه.

عدد كبير من مثقفينا يقتفون اثر التيارات الشمولية التي أدانت المجتمع حينا «بالفقر والجهل والمرض»، وحينا «بالتخلف»، وحيناً بالجاهلية والخروج على الدين. ادانة المجتمع لا تفيد شيئاً إلا تبرير ما تفعله الأنظمة. أما آن الأوان كي يقف مثقفونا مع صحافيينا مع مجتمعنا مع جمهورنا في وجه سلطة القمع؟ وهل يتوجب ان نيأس بعد 2011؟ وهل يستدعي الأمر الارتداد ضد مجتمعاتنا؟ على ما فيها من ادواء.

تشكل المنظومة السياسية العربية شبكة مصالح موحدة. مهما بلغت التناقضات بينها، فهي تتواطأ على مجتمعاتنا كي لا تخرج إلى حريتها، كي لا تفكر بذلك.

ملكة التفكير والكتابة هي الأداة الأساسية، السلاح الأكثر فتكاً في وجه انظمتنا. مساكين هؤلاء المثقفون الذي قصروا في مهنتهم الأساسية، مهنة التفكير والكتابة. لن تتوقف شعوبنا عن السعي في سبيل حريتها. على المثقفين ان يحرروا أنفسهم من أفكارهم القديمة البالية التبريرية في سبيل الارتفاع إلى مستوى شعوبنا المناضلة. يقال النزول إلى الشارع. القول الاصح هو الصعود إلى الشارع، صعود المثقفين إلى مستوى جماهيرهم ومطالبها وحاجاتها. مهمة الجماهير ان تطالب تعبيراً عن حاجاتها. مهمة المثقفين التعبير عن هذه المطالب وصياغتها في برامج سياسية. وقد قصر المثقفون في ذلك. باعوا أنفسهم لمراكز اللاتفكير التابعة للأنظمة.

لن يفلت الفرعون من ايدي الصحافة في مصر. جعل القمع والقسر والاكراه مساره في السلطة. بعد ان قدم للناس وعوداً فاشلة كاذبة في الانماء والتطوير. انقطعت علاقته بشعبه. وسيلاقي مصير من سبقه.