Site icon IMLebanon

مصر والتحالف الثلاثي … في سورية

ترتسم في الميدان السوري تحالفات موضعية أو تفاهمات، بين دول، تؤسس لمرحلة جديدة في الصراع الدائر على بلاد الشام. وقد تختزل هذه التحالفات والتفاهمات في جانب منها معادلات جديدة، تتولى واشنطن وموسكو توزيع أدوار اللاعبين الإقليميين فيها، وتشكل مؤشراً إلى تموضع جديد في التنافس على النفوذ.

آخر مظاهر التفاهمات الجديدة هو دخول روسيا على خط الاتفاق لإقامة منطقة ثالثة لخفض التصعيد في شمال حمص، بعد اتفاق منطقة الجنوب الغربي الذي كان أنجزه الجانبان الروسي والأميركي بالتفاهم مع الأردن وشاركت فيه إسرائيل عن قرب، وبعد اتفاق خفض التوتر في الغوطة الشرقية. الجديد في الموقف الروسي إصراره على أن تكون مصر، بدلاً من تركيا، ضامنة للاتفاق في شمال حمص التي بدأ سريان وقف النار فيها. الحديث جار نتيجة ذلك على إدخال قوات مصرية تساهم في إقامة نقاط تفتيش ومراقبة كما يقضي اتفاق مناطق خفض التوتر. المفاجئ أن مصر لم تكن طرفاً في اتفاق روسيا وإيران وتركيا على مناطق خفض التصعيد في آستانة مطلع أيار (مايو) الماضي.

لدخول مصر دلالات. فهي على تعاون مع النظام السوري، وعلى تحالف وثيق مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، في موقف الدول الأربع من قطر ومطالبة الدوحة بوقف دعمها المنظمات الإرهابية. ولعل الدور المصري يعطي القاهرة موقعاً في البحث عن الحلول في سورية، عندما يحين وقتها، ويتيح لها إدخال قوات سيحتاج إليها المجتمع الدولي لتثبيت هذه الحلول. ويضاف إلى خصومة مصر مع قطر الخصومة الشديدة مع تركيا، التي تستمر بدعم «الإخوان المسلمين» في مصر. قد يسأل سائل عن سبب تفضيل موسكو القاهرة على أنقرة لرعاية اتفاق شمال حمص على رغم أن خلاف الرئيس رجب طيب أردوغان مع واشنطن يتصاعد ما جعله يطلب صفقة صواريخ «أس 400» من موسكو. إلا أن الجانب الروسي يسعى إلى التوازن في علاقاته الإقليمية، ويفضل حضور دولة مثل مصر سياسياً وعسكرياً، لأن نشره الشرطة العسكرية الروسية في الجنوب وفي دمشق وفي حلب على رمزيته، بات يحمل أخطاراً بقدر تعبيره عن النفوذ لأن انفلاش مراقبيه يعرضه للانتقام. والاستعانة بقوات تركية مرفوض من النظام، خصوصاً أن لأنقرة قوات في الشمال متنازع على دورها… أما سياسياً فإن القاهرة تطمح إلى نقل الحريق السوري من أروقة الديبلوماسية الدولية إلى الجامعة العربية. وقد يروق هذا التوجه لموسكو لأنه يؤدي إلى وضع قرار مجلس الأمن الرقم 2254، لا سيما مبدأ الحكم الانتقالي، جانباً.

ومن مظاهر التفاهمات الجديدة، ما آلت إليه المعارك في منطقة القلمون الشرقي (جرود عرسال)، التي خاضها «حزب الله» ضد مسلحي «جبهة النصرة» التي لكل من تركيا وقطر حصة كبرى فيها. وهي معارك سبقها تفاوض وأنهاها التفاوض نفسه، الذي رعته كل من إيران وقطر وتركيا، وفق الاتفاق الذي شهدنا أمس آخر فصول تنفيذه، بانتقال مسلحي «النصرة» إلى إدلب، ومعهم نازحون، والإفراج عن أسرى الحزب. فمنذ أشهر ترتسم في الميدان السوري معالم التحالف الثلاثي الإيراني التركي القطري. تقاطعت مصالح الدول الثلاث على رغم اختلاف مواقفها الأصلية في سورية، لأسباب تتعلق بمواقعها وخصوماتها في الميدان الإقليمي الأوسع. تركيا وإيران تقاربتا على تزايد عوامل الخصومة مع أميركا، ولدعم الأخيرة الأكراد. وطهران والدوحة تجمعهما الخصومة الشديدة مع دول الخليج والسعودية. فرض كل ذلك تعاوناً وثيقاً في سورية، ولعبت طهران ومعها «حزب الله»، والدوحة بدالتها (مع تركيا) على «النصرة» وفصائل سورية أخرى تتحلق حولها، دوراً رئيساً في اتفاقات عدة لتبادل أسرى وجثث وانتقال سكاني (الزبداني وكفريا والفوعة) والإفراج عن قطريين خطفوا في العراق، ما سهل التواصل على الأرض بين بعض هذه الفصائل و «حزب الله» (سرايا أهل الشام والنصرة عبر بعض القنوات) بدأ منذ أكثر من سنة. فشل التفاوض في تجنيب الميليشيات المتصارعة، والحليفة لكل من هذه الدول، القتال، ولم تجد الأخيرة حرجاً في تركها تتقاتل، لتتلقف النتائج وتغلب الاتفاق. فالتعبئة الأيديولوجية لدى «النصرة» حالت دون إدراكها تفهم أنقرة والدوحة لحاجة طهران إلى تنظيف القلمون الشرقي، في سياق تقاسم النفوذ في الملعب السوري. ومع أن بعض اللبنانيين رأى في ما حصل مسرحية، فإن مصالح الدول لا تقيم وزناً لخسائر الأرواح. انتهى الأمر بتكريس تعاون الدول الثلاث، واستفاد لبنان بالتخلص من كابوس على حدوده.

يبقى انتظار كيفية تعامل التحالف الثلاثي مع الاعتراض الأميركي على تكريس إدلب منطقة نفوذ لـ «النصرة».