IMLebanon

مصر تستطلع… وغضب الفاتيكان على المقاطعين مستمرّ

تَدخل رئاسة الجمهورية في مرحلة النسيان الداخلي تدريجاً نتيجة التعقيدات المستفحِلة والمقاطَعة المستمرة لبعض الكتل، لكنها لا تزال تُعتبر من أولويّات الكرسي الرسولي الذي يجوب بها عواصم العالم محاوِلاً إحداث خرق ما.

لم يفقد الفاتيكان حتّى الساعة الأمل في انتخاب رئيس للجمهورية يُعيد إلى المسيحيين دورهم وحضورهم في الدولة، ولم يعطِ حراكه في اتجاه عواصم القرار وعلى رأسها واشنطن حتّى الساعة أيّ مردود إيجابي يُبنى عليه، لأنّ التحرّك الأساس والحوار الجدّي يجب أن يحصلا مع طهران التي تُمسك بمفاتيح كثيرة في الإستحقاق المعطّل، وهذه الخطوة ينسّقها مع فرنسا، حيث يترقّب الجميع زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى باريس ولقاءه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند.

هذا في الشقّ الخارجي، أما داخلياً، فقد شكّل تحذير البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أمس الأوّل من أنّ الرئاسة تُقارب المستحيل، أصدق توصيف للواقع الذي وصل إليه الإستحقاق والذي تجتمع عوامل داخلية وخارجية على إبقائه في دائرة المراوغة والفراغ، إذ لا يمكن فصل المعطيات بعضها عن بعض، مع توسّع رقعة الحرب الدائرة في المنطقة.

ومع بروز ما يُعرف بـ«التقرير الأسود» وتداوله في أكثر من مكان، ومحاولة بثّ مشاهد سوداوية عن الوضع في لبنان، ووضع المسيحيين وكنيستهم، تنفي مصادر فاتيكانية لـ«الجمهورية» وجود «تقرير مماثل في أدراج الفاتيكان وتحميله الكنيسة المارونية مسؤولية الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية».

وتلفت الى أنّ «الوضع في المنطقة سوداوي وقاتم، ولا يقتصر على لبنان فقط، ومن الطبيعي أن ينعكس التوتر في المنطقة على لبنان، لكنّ هذا لا يعني أن يصوغ الكرسي الرسولي تقارير تهدف الى ضرب الكنيسة المارونية التي هي أساس الوجود المسيحي المشرقي، بل إنّ الفاتيكان يضع يده في يدها من أجل الحفاظ على المسيحيين ودورهم وسط كلّ ما يحصل من أحداث».

وتؤكد المصادر أنّ «الفاتيكان لا يغفل عن الشقّ الخارجي المعرقل لإنتخاب رئيس الجمهورية، لكنه في الوقت نفسه يحمّل الكتل النيابية الداخلية المقاطعة جلسات إنتخاب الرئيس مسؤولية كبيرة في التعطيل، إذ يعتبر أنّ الخارج مشغول في أحداث سوريا والعراق واليمن، ولا يمانع أيّ تسوية داخلية يصل اليها الأطراف اللبنانيون وتؤدّي الى إنتخاب رئيس وحلحلة العقد، لكنّ المقاطعين يزيدون التعقيدات بدلاً من أن يساهموا في إنهاء الأزمة السياسية التي توّجت بالفراغ الرئاسي المستمرّ منذ 25 أيار 2014».

على خطّ مواز، تستمرّ التحركات الخارجية محاوِلة إحداثَ خرق في جدار الأزمة الرئاسية، ومَن يراقب تصريحات رؤساء الدول من خطّ الإستواء الشمالي الى الخطّ الجنوبي مروراً بالوسط، يلاحظ أنهم جميعاً يريدون رئيساً للجمهورية، لكنّ تصاريحهم تبقى مجرّد كلام في الهواء وحبراً على ورق، ما لم تُترجم ضغطاً على القوى الإقليمية المعروفة التي تعطّل الإستحقاق.

وفي سياق الجهود المبذولة للوصول الى تسوية رئاسية، يجول السفير المصري في لبنان محمد بدر الدين زايد على القيادات ورؤساء الأحزاب مؤكداً حرصَ بلاده على انتخاب الرئيس، لكنّ ذلك لم يترجم حتى الساعة مبادرة مصرية، بل إنّ الجولة لا تزال في إطار الإستطلاع والإستماع الى وجهات النظر الداخلية من مجمل التطوّرات، خصوصاً أنّ مصر اعتادت لعبَ دور في الأزمة اللبنانية وأزمات المنطقة، لكنها لم تقدم حتى الساعة على أيّ مبادرة مع رؤية التعقيدات الكثيرة.

وقد تكون مصر درست جيداً التجربة الفرنسية الأخيرة بتأنٍّ، بعدما أعلن هولاند عن زيارة الى بيروت، قبل أن يُرجئها بعدما رأى أنْ لا حلحلة إيرانية في الشق الرئاسي.

مع إستمرار غضب الفاتيكان على الكتل المقاطعة، يتّضح أكثر فأكثر أنّ كلمة السرّ الإقليمية لا تزال بعيدة، والعالم لن يأتيَ لحلّ مشكلاتنا وهو الذي تقاتَل على أرضنا ولم يقاتل معنا.