ليس في العالم العربي دولة هي اسم على مسمى الا في مصر. وهي بالطبع رفيقة النيل ونظامه وأكثر عمقا وشمولا من تسمية الدولة العميقة. وليس في المجتمعات العربية مجتمع مدني حصل على مكتسبات ويدافع عنها الا في تونس التي نعمت بجرأة البورقيبية. ولا بين ثورات الربيع العربي واحدة جرى انقاذها من براثن خاطفيها او من التحول حربا اهلية الا في تونس ومصر. واذا كان ارهاب داعش يضرب في اماكن عدة بعدما سيطر على مساحات واسعة من العراق وسوريا واعلن الخلافة، فان مخاطره في اي بلد شيء ومخاطره في مصر وتونس شيء آخر. واذا كان الارهاب في تونس يهدد تجربة رائدة، فانه في مصر يهدد مستقبل العالم العربي.
ذلك ان التجارب منذ كامب ديفيد حتى اليوم اكدت عجز العالم العربي عن ايجاد بديل من الدور القيادي العروبي لمصر. فلا العالم العربي من دون مصر ودورها سوى ريف مرشح للانقسامات والصدامات القبلية والمذهبية والاتنية. ولا مصر من دون دورها العربي هي اكثر من بنغلادش عربية. ولا التحديات امام مصر حاليا هي مجرد تحديات مصرية او مجرد تحديات امنية.
والكل يراهن على نجاح مصر في مواجهة الارهاب على جبهتين: جبهة الداخل، حيث وصلت العمليات الارهابية الى مستوى رفيع من التخطيط والتنفيذ كما في اغتيال النائب العام هشام بركات بسيارة مفخخة. وجبهة سيناء، حيث قام داعش بهجوم ارهابي واسع على مراكز للجيش الذي رد بعملية جوية وبرية. ما قاله المسؤولون في تشييع النائب العام اوحى ان عملية الاغتيال ومعظم العمليات الارهابية في الداخل تحمل توقيع الاخوان المسلمين. وما اعلنه داعش حول المسؤولية عن عمليات سيناء لم يترك، وسط القراءة في التوقيت، مجالا للشكوك في كون العمليات منسقة.
الاغتيال حدث عشية الذكرى الثانية لثورة ٣٠ يونيو التي ادت الى عزل الرئيس محمد مرسي وانهاء حكم الاخوان المسلمين. وغداة الذكرى جاء هجوم داعش. واذا كان داعش اخذ على الاخوان انهم شاركوا في الانتخابات وقبلوا صنع دستور، فان مصر هي الجائزة الكبرى في موضوع دولة الخلافة. واذا كانت الحرب على الارهاب تطلبت تشددا او حتى تبدلا في الخطط الامنية والعسكرية، فان الحاجة كبيرة الى اكمال العملية السياسية التي توقفت عند المواعيد المؤجلة لاجراء الانتخابات النيابية. ذلك ان تصوير ثورة ٣٠ يونيو بانها انقلاب على ثورة ٢٥ يناير بدل ان تكون استكمالا لموجتها، هو الوجه الاخر لمخاطر الارهاب. والمطلوب، وسط الكلام على تضييق القوانين، هو توسيع اللعبة السياسية.