تكشف مؤشّرات المواقف السياسية المحلية عن معطيات حكومية جديدة، ولكنها غير إيجابية، في موازاة الإندفاعة الفرنسية والمصرية تجاه بيروت خلال الأيام القليلة الماضية، حيث تتحدث مصادر سياسية على تماس مع الحراك الحاصل أخيراً على خط المقرّات الرئاسية وبيت الوسط، عن أن الأجواء التي انتشرت وتفيد أن ولادة الحكومة العتيدة باتت على قاب قوسين، قد بدأت «تتبخّر»، وسط ازدحام الأسئلة عن مدى فاعلية المبادرات الخارجية، خصوصاً وأن المبادرة الرئاسية الفرنسية ما زالت مستمرة، وإن كانت المحاولة الفرنسية لجمع كل من الرئيس المكلّف سعد الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، قد اصطدمت بحائط المواقف المتصلّبة وتحديداً من قبل الرئيس المكلّف وفق المصادر نفسها، والتي تجزم بأن الضغوط الدولية، كما العربية، لن تتوقف، وهي باتت تركّز على الطبقة السياسية من أجل تشكيل حكومة إنقاذية وإصلاحية، تتمتع بمعايير تؤمّن حصول لبنان على الدعم الدولي من أجل وقف الإنهيار الزاحف لأن النهوض يبدو مؤجّلاً كما يبدو.
وتشدّد المصادر السياسية نفسها، على أنه وبالرغم من كل التسريبات والتحليلات، الأمر الوحيد المؤكد حتى هذه اللحظة، هو أنه من غير المعروف بعد ما هو مصير هذه المحاولات، وآخرها المحاولة المصرية بعد الفرنسية، وقريباً الفاتيكانية، خصوصاً وأن السقوف المرتفعة وغير المعلَنة من قبل فريقي التأليف، لم تلحظ أي تغيير، وبالتالي، فإن العِقَد على حالها، علماً أنها ليست المرّة الأولى التي تجري فيها محاولات من هذا النوع، باعتبار أن الطرفين، نجحا في حَبك العِقَد الحكومية بشكل يجعل من الصعب تذليلها. وفي هذا الإطار، تشير المصادر إلى أن الموقف السعودي الأخير، قد حمل ضمناً تحوّلاً في الموقف إزاء تأليف الحكومة الجديدة، حيث أكدت المواقف على خطوة تأليف الحكومة في الدرجة الأولى، قبل الحديث عن طلب الدعم والتأييد من الرياض.
ومن هنا، تلاحظ المصادر نفسها، أن الأمور ليست بالبساطة التي يحاول بعض المتحمّسين إظهارها، باعتبار أنه من غير الواضح بعد، السيناريو الذي سيتم اعتماده من أجل فتح الطرقات المقفلة بين قصر بعبدا وبيت الوسط. وبالتالي، فإن الغموض الذي يكتنف كل المحادثات الجارية في العلن أو في الكواليس، لا ينبىء بمناخات تبعث على الإرتياح، خصوصاً وأن الأهداف التي يحملها كل طرف سياسي يعمل على خط التأليف، لا تلتقي على أي عنوان مالي أو اقتصادي وطني، بل على العكس هي متصلة بمخطّطات سياسية بعيدة كل البعد عن مشاريع الإنقاذ المطلوبة والتي تدعو إليها عواصم القرار الخارجية التي تنشط على خط الوساطات.
وفي هذا السياق، تنقل المصادر السياسية المتابعة نفسها، عن جهات ديبلوماسية غربية، أن عواصم القرار تدرس جدياً ما بعد المبادرة الفرنسية – المصرية الحالية، وذلك، في حال لم يُكتب لها النجاح ولم تؤدِ إلى المسار المطلوب، إذ تعتبر هذه العواصم أنه إذا ما فشلت هذه المحاولة، فهي لن تعود إلى الضغط والدفع والعمل من أجل تأليف الحكومة العتيدة، وإنما ستستبدل هذا الموضوع على جدول أعمالها بعناوين أخرى غير مطروحة اليوم على طاولة البحث، نظراً لعدم وجود رضى سياسي لبناني عليها. وبالتالي، فإن ما يحصل اليوم، قد يكون المحاولة الدولية «الأخيرة» على مستوى تأليف الحكومة، ومن بعدها ستصبح الأولوية الدولية لأجندة مختلفة، عنوانها الأساسي والأول هو كَبح الإنهيار بكل الوسائل المتاحة.