حاولت الجمهورية الإسلامية أن تكون علاقتها جيدة مع “جماعة الإخوان المسلمين” وخصوصاً في مصر وتحديداً بعد إطاحة الرئيس حسني مبارك وانتخاب “الإخواني” محمد مرسي رئيساً للجمهورية. الدافع الأول للمحاولة كان احتمال وجود نقاط تلاقٍ بين “الجماعة” وإسلامية النظام الإيراني. والدافع الثاني كان أن الصراع المزمن بين السنّة والشيعة، الذي بدأ والذي استيقظ في العقود الأخيرة وتحوّل عسكرياً منذ بدء “الربيع العربي”، لم يكن واضحاً يوماً في مصر التي يشكِّل السنّة الغالبية الساحقة من مواطنيها المسلمين. “فآل البيت” موضع احترام ومحبة دائمين عندهم منذ العهد الفاطمي. وانتهاؤه لم يؤثر على هذين الشعورين. والدافع الثالث كان أن الريادة في العالم العربي كانت دائماً لمصر الدولة الأكبر ديموغرافياً والأقوى عسكرياً رغم الحجم المهم للسعودية في العالم العربي والإسلامي الذي استحقته بسبب “خِدمتها” الحرميْن الشريفين وثروتها النفطية والمالية. ومصر الآن تمرّ في صعوبات كثيرة اقتصادية واجتماعية ومادية أضافت إلى ضعف الدور الإقليمي الذي أصابها جرّاء معاهدة السلام مع إسرائيل ضعفاً جديداً. ومدّ اليد إليها ومساعدتها لاستعادة القوَّة والدور من قبل إيران يفيدها، كما يساعد إيران على مواجهة المحور العربي المسلم السنّي الذي تقوده السعودية أو بالأحرى على إضعافه. لكن المحاولة الإيرانية المشار إليها أعلاه لم تنجح. فأيام الرئيس مبارك حاولت طهران مكاشفته بالتعاون وآفاقه ومنافعه. وربما كان ذلك بواسطة رئيس مجلس الشورى حالياً الدكتور علي لاريجاني. لكن الرئيس المصري أحاله على رئيس “المخابرات العامة” لديه عمر سليمان الذي أفهمه وفي وضوح تام أن الظروف غير مناسبة وأن أمراً من هذا النوع لن ينجح. وأيام الرئيس “الإخواني” مرسي حاولت إيران الإسلامية أكثر من مرة إقامة علاقة تعاون مفتوحة، لكنه لم يستجب رغم زيارته طهران في السنة الوحيدة التي أمضاها في الحكم وإلقائه خطاباً في أحد مؤتمراتها المهمة. وعن هذا الأمر تقول شخصية إيرانية مهمة أن زيارته إيران لم تحظ بموافقة إجماعية من “الجماعة” في مصر، إذ حصل تصويت عليها فازت به ولكن بفارق بسيط. وتقول أيضاً أنه لم يمضِ فيها أكثر من أربع ساعات، وأنه رفض الاجتماع بالمرشد والولي الفقيه السيد علي خامنئي رغم اقتراح مضيفيه عليه ذلك وإلحاحهما.
ولم تترك إيران، تضيف الشخصية إياها، عهد “الرئيس العسكري” عبد الفتاح السيسي من دون محاولة لتعميق العلاقة مع مصر في كل المجالات والاتجاهات. ففي أحد الاتصالات أو اللقاءات التي أجرتها معه شخصية إيرانية مهمة جداً تحدّث عن مصر قائلاً إنه “يتمنى أن ينام ثم يستيقظ فيرى أن الرئيس بشار الأسد قد تنحّى. لكن الاتصالات معه مستمرة لأن سوريا مهمة كثيراً للأمن القومي المصري. وأما العلاقة الجدية والعميقة والتعاونية مع إيران فإنه لا يستطيع أن يتحمّل الآن مضاعفاتها”. وبرّر ذلك بـ”المساعدات الاقتصادية السعودية والإماراتية التي لا يريد أن يخسرها وبعقبات أخرى كثيرة”. هنا ردَّت الشخصية الإيرانية وهي على الأرجح إلحاح قاسم سليماني بالآتي: “نحن على استعداد لإرسال ثلاثين ألف سائح إيراني إلى مصر شهرياً، ولتقديم دعم مادي لبلادكم بمليارات الدولارات”. فعقّب السيسي: “بذلك تكونون تشيّعون البلد”. طبعاً توقفت المحاولة عند هذا، لكن الشخصية الإيرانية اعتبرت الكلام عن “التشييع” غير مبرَّر لصعوبته. فإيران اشترت أيام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد عدة منازل “عتيقة” في السوق القديم لدمشق محيطة بمقام السيدة رقيَّة. وطلبت من الأسد الموافقة على هدمها لتوسيع المقام. بقي الهدم والتوسيع مؤجلين عشر سنوات لأنه كان يعرف عدم تقبُّل السنّة السوريين (الدمشقيين) ذلك. عندها أبلغ إليه الإيرانيون أن استمرار علاقة دولتهم معه تتوقف على هذا الأمر، فأعطى الأوامر بالتنفيذ ولكن بمواكبة دبابات وعسكر لحماية العمّال وآليات الهدم والتوسيع”.
في أي حال يلاحظ زائر طهران رغبة مسؤوليها الكبار في تعاون مع مصر، وفي الوقت نفسه اقتناعهم يشبه استحالة ذلك الآن رغم المواقف المزدوجة لقيادتها من الذي يجري في سوريا وأطراف الصراع فيها على تنوعهم. فمصر التي كانت زعيمة أولى في أفريقيا والعالم العربي لم تستطع “إقناع” دولة افريقية عادية (غير اثيوبيا) بعدم بناء سدِّ على نهر النيل يقلِّص حصتها منه، فتوجهت إلى منظمات دولية للحؤول دون حصولها على مساعدات أو قروض منها لبنائه.
ماذا عن إيران وسوريا واستطراداً “حزب الله”؟