أخيراً سجلت وزيرة الاعلام “سطراً مجيداً” في مسيرتها الوزارية المُجهَضة في حكومة حسان دياب المصرّفة للأعمال.
فالوزيرة ثارت لكرامة اللبنانيين وكادت تتسبّب بأزمةٍ دبلوماسية مع القاهرة لولا حكمة “العُقَّال”. لم يهُن عليها ان تُعَنون صحيفة “اليوم السابع” المصرية الواسعة الانتشار ان “اللبنانيين يتكالبون على شراء المواد الغذائية”، فبادرت الى الطلب من وزير الخارجية استدعاء سفير مصر لتسليمه رسالة احتجاج، لاعتقادها ببراءةِِ ان “التكالب” هو شأن خاص بالكلاب.
فاتَ الوزيرة في غيرتها على سمعة لبنان ان الاحتجاج على الصحافة لدى السفراء ووزارات الاعلام هو من سمات الأنظمة الاستبدادية، وليس تلك التي تحترم حرية التعبير والقول وتحتكم الى قوانين المطبوعات في بلدها وبلدان الآخرين. ولا عتب على السيدة منال، فخبرتها خانتها، وانضمامها الى حكومة “8 آذار” شهادتها “منها وفيها” خصوصاً في عهدِِ ضيِّق الأفق والصدر ادعى بكثافة على الصحف والمغردين وله تاريخ مثقل في كراهية الرأي الآخر، وهي “بيئة” لا تتيح للوزيرة سوى الاعتقاد بأن وزارة الاعلام وصية على الحريات. ولا تُلام معاليها كثيراً اذا استوحت ايضاً من تجارب سليل الوصاية “المجلس الوطني للاعلام”، أو اعتبرت انّ الأقلام الحرة يمكن ان تُحصَر في نقابات.
ولِعِلم الوزيرة فإن مفردة “تكالُب” لم تعد ذات معنى شنيع يدل الى الكلاب. فهي، مثل كثير من الصيغ والمفردات، فقدت “مدلولها” الاصلي لكثرة استخدامها بمعنى “تزاحُم” و”تناتُش” و”تهافُت”. لكنها تبقى من النوع “غير المستحب” في أي حال، وتستحقّ لفت نظر كي يكون “لكل مقام مقال”.
وإذ لم تتأخر “اليوم السابع” في حذف العنوان، فإنها لم تكن في حاجة الى الاعتذار “من الشعب اللبناني”، فلا مبرّر للعصبية والاستثارة، ولا لاعتبار العزّة الوطنية على المحك في شأنٍ عَرَضيّ بسيط، فيما هي مُهانة يومياً في أكثر من موقع ومكان، وفي الأساسيات.
لا تحتاج علاقات الودّ والصداقة بين لبنان ومصر الى تأكيد. وليست وزارة الاعلام ولا “الخارجية” مخوّلتين الدفاع عن اللبنانيين في أيّ شأن يدرج تحت عنوان “حرية القول والنشر”، فهذه يجب أن تكون من المسلَّمات. واللبنانيون الذين يرفضون المساس بحرياتهم، يرفضون بالمثل أيّ ضغط على أيّ إعلام عبر القنوات “الرسمية” فيما ساحة الردود مفتوحة، والصحافة المحترمة قادرة على التصحيح والتصويب.
اخطأت “اليوم السابع”. فـ”التكالُب”، في معناه الشنيع، صفةٌ تليق تحديداً بمافيا أهل السلطة الذين سرقوا بالتكافل والتضامن ودائع اللبنانيين. و”التكالُب” يليق بمن تآمروا فنهبوا وهدروا وأهملوا وتسبّبوا بمقتل المئات وتشريد الآلاف وتدمير نصف بيروت بالنيترات. و”التكالُب” يليق بمن يتركون مواطنيهم فريسة “الكورونا” ويتأخرون في استقدام اللقاح. وهو يليق بكلّ من يعطّل الدستور والقضاء ويسرق حاضر اللبنانيين ومستقبلهم.
زملاؤنا في “اليوم السابع”: وزيرتُنا حسنة النية. لذا نعتذر منكم على تدخّلها في شأنكم. لا تلغوا “التكالب” من قاموسكم، لكن استخدموه في ما يخصّنا ويخصكم بالمقام الصحيح.