ظاهراً تبدو العلاقة بين مصر والمملكة العربية السعوديّة ممتازة رغم “الانتقادات” التي يوجّهها بعض الإعلام المصري إلى الرياض. فتبادل الزيارات بين المسؤولين فيهما مستمر والمساعدات المالية السعودية للقاهرة لمواجهة أزماتها الإقتصادية. لكن رغم ذلك تلوح في أفق علاقتهما غيوم لا يبدو أنّها ستتحوّل قريباً عواصف نظراً إلى حاجة كل منهما إلى الأخرى. وهذا أمر يتحدّث عنه متابعون عرب جدّيون للأوضاع في الدولتين الشقيقتين ولتطوّر علاقتهما.
ما هي أسباب الغيوم المشار إليها أعلاه في العلاقة المصريّة – السعوديّة؟
قد تكون الأسباب كثيرة ومتنوّعة يجيب هؤلاء، لكن أبرزها اثنين، الأول هو سوريا بحربها الأهليّة وبالحرب الإرهابية التي تخوضها منظّمات إسلاميّة سنيّة أصوليّة متشدّدة على الثوار السوريّين المعتدلين والثوار الإسلاميّين الأقل تطرّفاً منها، وعلى نظام الأسد رغم تقاطع المصالح بينهما. وفي هذا الموضوع، تشير معلومات هؤلاء إلى أن مصر والسعوديّة والأردن والامارات العربية المتحدة اتّفقت على ضرورة دعم الجيش السوري، وليس الأسد، الذي “يتبهدل” يوميّاً ويضعف ويتذمَّر ضباطه وجنوده جرّاء سلبيّات كثيرة. وتشير أيضاً إلى بعض التوتّر في العلاقة بين ضباط سوريّين كبار ومسؤولين إيرانيّين أمنيّين كبار أيضاً داخل سوريا رغم التحالف الوثيق جداً بين نظام الأسد وإيران ودورها الكبير في حمايته ومنع سقوطه. وتشير ثالثاً إلى توتُّر ما أو برودة بين العسكريّين الروس والإيرانيّين العاملين في سوريا، لوحظا أكثر من مرّة أثناء تلاقي ضباط منهما للعمل أو بالصدفة. وتشير رابعاً إلى أن الدول العربيّة المذكورة أعلاه اتّفقت مع روسيا على التدخّل في سوريا، وعلى إنشاء غرف عمليات مشتركة، وعلى تزويد الجيش السوري السلاح الذي يحتاج إليه لتمكينه من القيام بدوره الأساسي في بلاده وتالياً من التصدّي لـ”داعش” والقضاء عليه. لكن السعودية غيّرت موقفها لاحقاً الأمر الذي اضطرّ روسيا التي تهمّها مصالحها إلى التفاهم مع إيران على التدخّل العسكري في سوريا الذي بدأ قبل أشهر. لكن هدفها الآن تغيّر وصار إنقاذ الرئيس الأسد ونظامه لا سوريا وشعبها وجيشها.
أمّا السبب الثاني للغيوم في العلاقة بين مصر والسعوديّة فكان اليمن والحرب الجوية التي شنّتها الأخيرة عليه. طبعاً لم يكن اعتراض مصر على تصدّي المملكة لخطر عليها مصدره اليمن بعد سيطرة الحوثيّين وعلي عبد الله صالح عليه بمساعدة عسكريّة وتدريبيّة وماليّة إيرانية، فهذا حق لها. لكن الاعتراض كان على أمرين: الأول امتعاض الرياض من عدم مبادرة مصر إلى التدخّل معها بكل طاقتها العسكريّة وخصوصاً البريّة في اليمن، الأمر الذي جعل حملتها تفشل حتى الآن في تحقيق نصر كانت تريده سريعاً. والثاني امتعاض مصر من عدم اعتبارها شقيقاً بل شريكاً، ومن عدم التشاور معها في موضوع مهم رغم حاجتها إليها للنجاح في تنفيذه. وكل ما فعله المسؤولون السعوديّون كان “إخطار” زملائهم المصريّين ببدء “حملة الحزم والعزم”. طبعاً، يلفت المتابعون العرب إيّاهم، لم تقبل مصر ذلك لأنّها دولة عربية كبرى ديموغرافياً وعسكريّاً وذات دور عربي رائد من زمان، ولأنّها ليست السودان وجيبوتي، وباختصار لأن عسكرها ليسوا مرتزقة. فهي قامت وتقوم بواجبها وحمت باب المندب والشواطئ السعودية على البحر الأحمر، وأبلغت إلى المملكة أنها ستفعل ذلك، وأنّها سترسل لها عسكراً قدر ما تحتاج للدفاع عنها إذا تعرّضت لهجوم مباشر.
هل تتردّى العلاقة بين الرياض والقاهرة نتيجة الغيوم المعلنة أسبابها أعلاه؟
الوضع العربي العام كما الوضع داخل الدول العربية لا يسمح “بترف” كهذا. فهناك خطر الإرهاب، وهناك نظام إقليمي انهار ونظام بديل منه قيد الإعداد، ولا بد من التحوّط كي لا يكون على حساب العرب كلّهم، وخصوصاً أن كثيرين يتحدّثون عن أن قيادة المنطقة ستناط بغير العرب أي إيران وتركيا وإسرائيل. علماً أن مصر والسعوديّة كان يمكن بتعاونهما الفعلي والصادق والمكشوف أن تكونا شريكتين للدول المذكورة في إدارة المنطقة. وذلك لا يزال متاحاً. وعلماً أيضاً أن السعوديّة وحدها لا تستطيع أن تقود العالم العربي رغم ثروتها النفطية الغازية – المالية – الدينية (الحرميْن الشريفيْن). وهناك فيها من يفكّر في ذلك.