قبل خمس سنوات اطاحت الانتفاضة الشعبية المصرية (التي تسمى خطأ ثورة 25 يناير 2011) الرئيس حسني مبارك وانهت ثلاثة عقود من التسلط والفساد والاخفاق في كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. وفي تتابع سريع تسلّم العسكر الذين استغلوا الانتفاضة الشعبية لإطاحة مبارك السلطة، وبعدها وصلت جماعة “الاخوان المسلمين” الى البرلمان والحكم والرئاسة عبر الانتخابات، لتحكم بشكل سيئ وغير ديموقراطي، الى ان ساهم العسكر في تأجيج انتفاضة جديدة ضد “الاخوان”، استغلوها مرة اخرى لإطاحة الرئيس محمد مرسي والعودة الى السلطة بعد ارتكاب أكبر عنف سياسي في تاريخ مصر الحديث. الحقيقة المرّة التي لا يمكن اخفاؤها هي ان مصر منذ اطاحة الملكية في 1952 – وباستثناء سنة مرسي في الرئاسة – بقيت تحت حكم العسكر، وان كان الضابط الحاكم يرتدي بدلة عادية وليس بزة عسكرية.
بعد خمس سنوات من الطموحات والاحلام الثورية بالتغيير والتمكين والديموقراطية، غابت الجماهير المنتفضة من ميدان التحرير ليحل محلها شرطة الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي والمطبلون له. يلتقي المراقبون والاختصاصيون في الشؤون المصرية مع المنظمات العالمية والمصرية لحقوق الانسان، على ان قمع الحريات اليوم وانعدام الامن الداخلي هما الاسوأ منذ سقوط الملكية. واضافة الى آلاف السجناء السياسيين، هناك المئات من “المختفين” الذين تختطفهم عناصر المخابرات من دون اعلام اهلهم. قبل الذكرى الخامسة اغارت الشرطة على خمسة آلاف شقة في القاهرة للتحقيق مع سكانها وتحذيرهم من التظاهر.
بعد خمس سنوات، هناك حركة تمرد اسلامية ارهابية شرسة للغاية في سيناء وخارجها، ويكاد لا يمر يوم من دون مقتل عناصر من الجيش او الشرطة المصريين. وعلى رغم انخفاض الاحتياط المالي الى مستويات متدنية جداً (16 مليار دولار في نهاية 2015 وهو رقم مقلق) يعتزم السيسي انفاق 8 مليارات دولار لشراء انظمة عسكرية متطورة لا يحتاج إليها الجيش المصري في معركته ضد الارهابيين. لكن السيسي يريد هذه الاسلحة لإرضاء الضباط الكبار، في مؤشر آخر لخوفه من انقلاب يأتيه من الشارع، أو من الثكن العسكرية. المشاريع الضخمة مثل توسيع قناة السويس وبناء عاصمة جديدة مبالغ فيها، وما سمي القناة الثانية، لم يؤد الى زيادة في عدد السفن التي تعبر القناة أو في الارباح، ونقل العاصمة غير واقعي.
أميركياً، الرئيس أوباما لم يدع وقد لا يدعو السيسي الى واشنطن، لكنه انهى تجميد بعض مبيعات الاسلحة الثقيلة، وتفادى توجيه انتقادات قوية الى الرئيس المصري. الانحسار الكبير في مكانة مصر الاقليمية يفسر تساؤلات المسؤولين الاميركيين عما اذا كانت ثمة مبررات ملحة لاستمرار الشركة الاستراتيجية بين البلدين.