لبنان في قلب الاهتمام لدى القاهرة اليوم. وبرغم انها ليست طرفا في ما يجري فيه من أزمات وأحداث، فإن مصر تعتبر نفسها معنية بهذا البلد، وهي ترغب في المساعدة على تحقيق المواءمة بين قواه المختلفة وتحصين الداخل اللبناني.
والواقع ان عدم الممانعة في لبنان بدور مصري ينبع من وسطيته اليوم وانفتاحه على الجميع. ويشير المطلعون على الدور المصري الجديد في لبنان الى ان القاهرة لم ترفض اي انفتاح عليها من أي طرف على ضفتي المعادلة السياسية في لبنان، وهي مستعدة للتنسيق معه، باستثناء القوى التي تحاول التدخل في الشأن السياسي المصري الداخلي أو التي تعمل ضد مصالح الدولة المصرية.
في لبنان، ثمة رغبة بتحييد هذا البلد عن صراعات المنطقة كونه غير قادر على تحمل الانغماس في مشاكل المنطقة. لكن يبدو ان تلك المشاكل تلامس الواقع اللبناني، وعلى اللبنانيين التعاون بين بعضهم البعض لتحصين بلدهم، بحسب المطلعين على العلاقة بين مصر ولبنان.
أما بالنسبة الى «حزب الله»، فإن القاهرة تقدره كمكون لبناني يحتفظ بنفس عربي، وثمة لقاءات بعيدة عن الاضواء تمت بين مسؤولين مصريين وقيادات في الحزب، من المنتظر ان تتعزز في المرحلة المقبلة. ويبدو ان القاهرة لا تود انتقاد الحزب علنا، خاصة لجهة تدخله العسكري في سوريا حيث تحتفظ مصر برؤية جديدة بعيدة عن التأييد الأعمى والدعم مختلف الأوجه الذي قدمه نظام «الاخوان» للمعارضة السورية بوجه الدولة السورية.
على الصعيد السوري، تدعو مصر الى حماية الدولة السورية وتؤيد حلا سياسيا يقرره الشعب السوري، في إطار الحفاظ على الجيش السوري حاضنا للاستقرار في البلد. ولعل حماية الجيش السوري تعد همّا مصريا كونه يعد من الجيوش الرئيسية في المنطقة، وتقع على عاتقه مهمة حفظ الاراضي السورية من التمزق والتقسيم. كما ان القاهرة تعارض أي تدخل خارجي في الأزمة السورية، داعية على الدوام الى حقن الدم السوري.
إنطلاقا من هنا، تشير القاهرة الى انها تقف في الوسط بين الدولة والمعارضة في سوريا (ولا تقصد القاهرة هنا بالمعارضة التنظيمات التكفيرية). ومن الملاحظ ان حركة المعارضين السوريين في القاهرة انحسرت الى حد كبير، ولم يعد ثمة تواجد ثابت أو إقامة للمعارضين على الاراضي المصرية.
وتنطلق القاهرة من كونها الطرف الاكثر قبولا من مختلف الاطراف، للشروع في دور على صعيد الازمة السورية في محاولة لتقريب وجهات النظر بين النظام والمعارضة (الائتلاف وهيئة التنسيق مثلا) غير المسلحة. وتشير الى انه عندما يتوافر الحل السياسي، فإن حاملي السلاح سيجبرون على إلقائه.
ويبدو ان لمصر اليوم أكثر من دور تؤديه على الساحة العربية، ولعل الدور الأهم سيتمثل في مواجهة خطر الاسلام المتشدد والتكفير. ويأتي دورها على صعيد الازمة السورية في هذا الاطار. وفي لبنان على سبيل المثال، تمكنت القاهرة من أداء دور هام على صعيد انتخاب مفت للجمهورية وذلك في اطار تفعيل «الاعتدال السني».
أما في مصر نفسها، فالعمل قائم مع الأزهر لمكافحة التشدد وتقديم الاسلام التنويري عبر ثورة دينية تطهر المؤسسات الدينية من العناصر المتشددة وتبدأ بتجديد الخطاب الديني برمته. ويأتي ذلك بموازاة المكافحة الامنية للارهاب التي تقر القاهرة بأنها وحدها لا تحسم المعركة معه بل الامر يحتاج الى مواجهة دينية واجتماعية وثقافية بإمكان القاهرة التصدر لدور يجمعها.