لم يسبق أن نشطت دبلوماسية عربية، بقدر ما تقوم به الدبلوماسية المصرية، التي باتت منذ صباح 7 تشرين محجوزة كلياً، على إيقاع الحرب في غزة، التي تتّصل جغرافياً بسيناء، بشريط جغرافي قصير، وبحبل طويل من الأنفاق والجدران والألغام الموقوتة.
بين محاذير عدة، وأفخاخ في كل لحظة، تحرّكت مصر لحماية نفسها وحماية غزة وأبنائها، على وقع ضجيج أجوف، تولّته قوى الممانعة المنفصلة عن الواقع، فكانت حملات التخوين المتناقضة، وكانت العنتريات التي شبع منها العرب حتى الثمالة، وعملت شاشات على تزييف الحقائق والوقائع، لإدخال مصر والأردن في المحظور الذي عاشته غزة، كأن بهؤلاء جميعاً، يعشقون الانتحار، فيما هم يزايدون من مواقعهم الآمنة، على من يتلقّف كرة النار بيده، محاولاً إبعادها عن شعبه، المكتوي منذ العام 1948 بنار العنتريات وسياسات المنابر والارتجال.
تعيش مصر اليوم، أصعب اللحظات، فهي تقود مفاوضات اللحظة الأخيرة، تفادياً للدخول في محظور مخيف، تواجه عقبات تتراوح بين «حماس» التي تحمّسها قوى الممانعة، وإسرائيل التي تتحرّق لاستكمال الحرب. تستلزم قيادة المفاوضات، عقولاً باردة، تأخذ في الحسبان، كلّ المعطيات الميدانية والسياسية، وكل الاعتبارات التي تحكم معبر رفح، والشريط الممتدّ بين سيناء وغزة الذي يختصر أزمة طويلة ومعقّدة.
توظف مصر علاقتها الهادئة مع إدارة جو بايدن، للضغط على إسرائيل، لتقديم المزيد من التنازلات لإنجاز الهدنة، وتوظّف ما تبقّى من قدرة لـ»حماس»، على التحلّل من الحسابات الفردية والارتباطات الإقليمية، التي تشجع الحركة على التصلّب، فيما الوقائع على الأرض تؤكد أنّ مصلحة حكومة الحرب الإسرائيلية، تكمن في تجاوز قضية الأسرى، والدخول إلى رفح، حتى لو أدّى ذلك إلى مقتلهم جميعاً، طبعاً بعد تحميل «حماس» مسؤولية فشل الهدنة وغسل اليدين من مجزرة إنسانية جديدة سترتكب بحق الفلسطينيين.
بناءً على ذلك يمكن تخيّل ساعات وأيام وربما أسابيع دموية، في حال فشلت المفاوضات. عمليات الترحيل وحدها ستكون بمثابة معاناة لا توصف، حيث سيضطرّ أكثر من مليون فلسطيني، إلى اللجوء الثاني شمالاً داخل القطاع، فيما سيحاول قسم منهم العبور عبر الشاطئ إلى سيناء وهو ما لا تريده مصر، لأنه سيكون اعترافاً لإسرائيل، بنموذج الترانسفير، أما الذي ترفضه مصر ويشكّل بالنسبة لها كابوساً يجب تجنّبه، فهو الاضطرار المحتمل للجيش المصري إلى مواجهة النازحين والعابرين عبر الشاطئ بالقوة.
تسير مفاوضات اللحظة الأخيرة بتسارع وسباق مع الوقت، وستكون الساعات الـ48 المقبلة اختباراً لمسارين متناقضين، في الطريق الشائك الذي لوّث المنطقة وغزة ببحر من الفوضى والدماء واللااستقرار.