Site icon IMLebanon

الغاز المصري حلّ بفوائد كثيرة… فهل تذلّل العقبات؟

 

توقيع اتفاقيات استجرار الطاقة رهن ضمان استخدام الكهرباء لصالح الشعب

 

 

ألغازٌ خارجية أضيفت على المشاكل الداخلية في ملف الكهرباء، لتجعل منه واحداً من أعقد الملفات وأكثرها استعصاء على الحلحلة. فمن جهة يخضع إعفاء الدول المشاركة بإيصال الغاز والكهرباء عبر سوريا من عقوبات «قيصر» إلى شروط صارمة، ومن جهة أخرى تدّعي بعض التقارير الأجنبية أن الغاز الواصل إلى لبنان سيكون مصدره إسرائيلياً وليس مصرياً.

 

المسألتان تبدوان في الظاهر أيسر بكثير مما تحجبانه في الباطن. فالادارة الأميركية تشترط حصولها على لوائح تفصيلية بأسماء الجهات المشاركة في العملية. والقائمة المطلوب تحضيرها لا تنحصر بأسماء الشركات والأفراد، إنما تتعداها إلى المقاولين والمتعاقدين الفرعيين وشركات التأمين. كما تتطلب إدراج الخدمات والبضائع التي ستقدّم إلى سوريا للمساعدة على إصلاح الاعطال على شبكة الكهرباء وأنبوب الغاز.

 

مطلب إصلاحي مخفي

 

إذا كان من السهل على كل من مصر، الأردن ولبنان تجنب التعامل مع الكيانات والأفراد المتهمين بالفساد أو المدرجين على لائحة «SDN «Specially Designated Nationals And Blocked Persons) List التابعة لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية)، فهل باستطاعة السلطة اللبنانية الاجابة موضوعياً على الشرط الأميركي الذي يسأل عن: «ماهية الخطوات التي سيتخذها لبنان لضمان استخدام هذه الكهرباء لصالح الشعب اللبناني؟». فكلمة لـ»صالح» قد تكون «مطاطة»، وهي تنطوي على تخفيض الهدر في الانتاج والتوزيع، وتعزيز الجباية، وإجراء الإصلاحات المطلوبة؛ وفي مقدمها: تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، ووقف السرقة والتعديات وتعديل التعرفة… واللائحة تطول بمطالب تشكل مادة خلافية أساسية تعيق أي تقدم في هذا الملف. فما يهم الجانب الاميركي ألّا يؤدي هذا الاتفاق إلى تغذية المنظومة وإعادة تعويم أذرعها الفاسدين قبل الانتخابات من «شبّاك» الكهرباء، بعدما فرضت عليهم العقوبات من بوابة الفساد. وهذا هو السجال الأساسي الذي يعيق توقيع أي اتفاقية تصب في مصلحة هذه السلطة ويمدد عمرها الافتراضي.

 

الجدال على مصدر الغاز

 

العقدة الثانية التي لا تقل أهيمة تتمثل في صدور تقارير صحافية إسرائيلية تدعي أن كمية الغاز الذي ستصل إلى لبنان، والمقدرة بـ 50 مليون قدم مكعب يومياً، مصدرها إسرائيل وليس مصر. هذه التقارير التي بدأت مؤخراً تصدر عن مؤسسات صحافية رسمية «بدلت الصورة بشكل كامل»، بحسب الباحث الاقتصادي الأردني المتخصص في شؤون النفط والطاقة عامر الشوبكي. «فهي تفترض أن كميات الغاز ستأتي مباشرة من إسرائيل ولن يكون لمصر أي دور في تصدير الغاز إلى لبنان». وبحسب الفرضية الاسرائيلية سينقل الغاز من المنصة الاسرائيلية العائمة على سواحل البحر المتوسط التي تجلب الغاز من حقلي «تنين» و»تمار»، مروراً بالأراضي الفلسطينية إلى محطة «الخناصري» في الأردن، ومنها إلى سوريا فلبنان، عبر خط الغاز العربي، و»هذا يمثل الطريق الاقصر»، برأي الشوبكي. «أما بالنسبة إلى مصر فسينحصر دورها بملكيتها لخط الغاز العربي الذي يمر في الأردن. في حين أن خط الغاز الذي يمر في سوريا مملوك من شركة روسية، والخط الذي يصل إلى لبنان مملوك بالشراكة بين سوريا ولبنان». وما يدعم هذا الافتراض بحسب الشوبكي أن «الكمية المتفق عليها بين الأردن واسرائيل بواقع 300 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً تفوق حاجة الاردن بقرابة 50 مليون قدم مكعب. وهي للمفارقة نفس الكمية التي تتطلبها محطة دير عمار في شمال لبنان».

 

وضع العصي في الدواليب

 

الفرضية التي تتحدث عنها التقارير الاسرائيلية تفترض بحسب الخبيرة في شؤون حوكمة الطاقة، وعضو المجلس الإستشاري للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز LOGI ديانا القيسي «وجود إتفاقية سرية بين كل من مصر وإسرائيل». بمعنى، أن تتستر مصر على مصدر الغاز من إسرائيل ضمنياً، وتتبنى علناً تصدير غازها إلى لبنان. و»هذا أمر مستبعد ويجافي المنطق الجيوستراتيجي لدولتين بهذا الحجم والعمق، واحدة منهما تصرح عنه والأخرى تنفيه»، برأي القيسي. «أما الافتراض أن الغاز الاسرائيلي يلتقي بالغاز المصري عند وصلة «العريش – بور سعيد» ويدخلان سوياً إلى خط الغاز العربي، فهذه ليست مسؤولية الجانب اللبناني إنما المصري. فما يهمنا هو أن يكون مصدر الغاز الذي يصل إلى لبنان مصرياً. وعليه، فان الاتفاق الذي لم يوقع بعد مع الجانب المصري يتطلب أقصى درجات الشفافية والوضوح منعاً لأي التباس قد يحصل. ذلك مع العلم أن الموقف الرسمي للدولة الذي عبر عنه وزير الطاقة وليد فياض يؤكد أن الاتفاق الذي سيوقع هو لاستجرار الغاز المصري وليس الاسرائيلي عبر خط النفط العربي».

 

التسليم بأن مصدر الغاز سيكون من مصر، لا يذلل كل العقبات. فالجانب المصري لن يوقع الاتفاقية إلا بعد حصوله على ضمانات رسمية تصدر عن الكونغرس الأميركي بعدم إمكانية تعرضه للعقوبات»، تقول قيسي. «فيما الصراع على أشده بين الديمقراطيين والجمهوريين على هذا الموضوع. ولم يتم التوصل بعد إلى قرار موحد. وحتى يتم توقيع الاتفاقية فان كل الكلام على الدور الاسرائيلي في تصدير الغاز يهدد الحل الذي يوفر بين 8 و10 ساعات تغذية من الكهرباء للبنان، وهذا ليس ببعيد عن منطق التخريب الذي يعتمده العدو الاسرائيلي».

 

الفهم العام للامور يفترض أن علاقة لبنان هي مع مصر التي تصدّر الغاز عبر خط النفط العربي. والجدال على اختلاطه مع الغاز الاسرائيلي يشبه وضع جمعية خيرية دينية أموالها في المصرف واشتراطها الحصول على الأوراق النقدية التي وضعتها، منعا لاختلاط أموالها مع الأموال التي لا تعرف مصدرها. وهذا يجافي المنطق. وعليه فان التسريع بتذليل العقبات وعقد الاتفاقيات لا يوفر الكهرباء للبنانيين ويحد من تنامي فاتورة المولدات فحسب، إنما يوفر على الخزينة ملايين الدولارات ويشكل حجر أساس للبدء بالاصلاحات. وما الإدعاءات الإسرائيلية إلا لهدف من اثنين: إما لجر لبنان الى التطبيع، وإما لإلزامه باستخدام بنيتهم التحتية لتصدير غازه في المستقبل؛ هذا إن قدر للبلد المنهار البدء بعملية التنقيب.