توقيع إتفاقية شراء الغاز الطبيعي مع مصر بعد الاتفاق على استجرار الكهرباء من الأردن
إذا كان النص يُقرأ من عنوانه، فإن عنوان حفل توقيع اتفاقيتي شراء الغاز الطبيعي مع مصر، ونقله ومبادلته مع الغاز السوري كان «تطيير المواعيد». فالتوقيع تأخر لمدة ساعة وربع الساعة عن الموعد المحدد له، فيما لم يضرب موعد، ولو بعيد، لبدء سريان الاتفاق واستفادة لبنان من الغاز المصري.
في الوقت الذي كان فيه المراسلون من مختلف المحطات المحلية والدولية ينتظرون من الساعة الثانية عشرة ظهراً، وهو الموعد المحدد لتوقيع الاتفاقيتين، كانت وزارة الطاقة تولم على شرف الوفدين المصري والسوري. لا شيء مستعجلاً بالنسبة للطاقة. فالمواطنون المنتظرون ومضة كهرباء منذ أكثر من عامين، لن يضيرهم انتظار ساعة أو ساعتين في أروقة طابق مكتب الوزير. وقد حرصت الوزارة من أجل تفتيح آفاق زائريها وتشغيل مخيلتهم، على توزيع لوحات حائط كلها أمل وتفاؤل من قبيل «نقيلي أحلى لمبة» لمساعدة المواطنين على التوفير، والاقتصاد في استهلاك كهرباء مقطوعة 24/24. و»نشمسوا، بالنون وليس بالتاء، على راس السطح»، كإعلان لتقسيط السخانات الشمسية على أيام الدولار 1500 ليرة.
إنجازات الطاقة
بعيداً من الاستهتار بوقت المواطنين، والفوضى التي رافقت حفل التوقيع، أتى المضمون باهتاً كـ»من يفسر الماء بعد الجهد بالماء»، هذا إلى جانب ضعف التمثيل الرسمي. حيث اقتصر الحضورعلى السفير المصري ورئيس مجلس إدارة «Egas» المصرية مجدي جلال ومدير عام النفط السوري نبيه خرستي، في حين لم يحضر السفير السوري وانتدب ممثلاً عنه. وزير الطاقة اللبناني المزهو بضيفه السوري والمؤيد له بهزة رأس مع كل شكر لنظامه على دعم لبنان وبذله كل الجهود لمساعدته، لم يقدم جديداً. بل أضاف المزيد من الضبابية على مستقبل الكهرباء القريب وامكانية توفيرها لما بين 8 إلى 10 ساعات يومياً. صحيح أن الوزير ذكّر بالمبادرات التي انجزتها وزارة الطاقة بغية تنفيذ الاتفاقية وتأمين الشروط المسبقة لتوفير القرض المتوقع من البنك الدولي والهادف إلى تمويل هذا المشروع، إلا أنه لم يأت على ذكر قابلية هذه المبادرات للتطبيق، والتي من ضمنها:
– الحصول على موافقة وزارة المالية ومصرف لبنان على تحويل عائدات مؤسسة كهرباء لبنان إلى الدولار باعتماد منصة صيرفة لسداد مستحقاتها بالعملة الاجنبية.
– تأمين التمويل والاتفاق مع مشغلي معمل دير عمار وباقي معامل الانتاج لتأمين استمرارية تشغيل وصيانة المرفق.
– إسترداد تكلفة مؤسسة كهرباء لبنان.
– وضع خطة عمل بين مؤسسة كهرباء لبنان وشركات مقدمي خدمات التوزيع بهدف خفض الهدر وزيادة الانتاجية وتأمين الحد الادنى من التمويل لهذه الشركات لتنفيذ هذه الخطة وتأمين استمرارية وتحسين الخدمة.
القاسم المشترك بين هذه المبادرات هو «عدم وجود توافق عليها من جهة وصعوبة إقرارها من جهة ثانية»، بحسب مصدر متابع. خصوصاً في ما يتعلق «برفع التعرفة وتحويل الأموال عبر «المركزي» إلى الدولار وتأمين صيانة الكهرباء وتجاوز البيروقراطية في ما خص تفعيل دور مقدمي الخدمات». واللافت في حفل التوقيع كان إعلان الوزير فياض عن العمل على إطلاق مناقصة لتلزيم استشاري لتصميم آلية تسديد المستحقات النقدية cash waterfall mechanism يضمن الشفافية في الادارة المالية. وأيضاً الاعلان عن إطلاق عملية استدراج العروض بغية التعاقد مع استشاري للتأكد من تحقيق شروط قروض البنك الدولي في مختلف مراحلها. وذلك من دون أي ذكر لكيفية التمويل وكلفة هذه العقود.
قانون «قيصر» والتمويل
«العقدتان الأساسيتان المتمثلتان بالتمويل وتجاوز قانون قيصر لم تحلا بعد رغم توقيع الاتفاق. فالقرض من البنك الدولي ما زال «متوقعاً»، وليس أكيداً. فيما تجاوز العقوبات التي يفرضها قانون قيصر على المتعاملين مع النظام السوري وأذرعه ما زال في مرحلة الأمل. هذا الواقع يذكرنا بالاتفاق المماثل الموقع مع الاردن مطلع العام الحالي لاستجرار ما بين 200 إلى 250 ميغاواط والذي ما زال معلقاً»، بحسب الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس د. مارك أيوب. «مع العلم أنه كان من المفروض أن يصل الغاز في وقت سابق لرفع التغذية وتمويل المشروع». وعليه فان التوقيع من وجهة نظر أيوب هو «خطوة إدارية لا تعني شيئاً من الناحية العملية، وتسريعه أتى نتيجة طلب المفاوض الاميركي آموس هوكشتاين في زيارته الاخيرة من الجانب اللبناني توقيع الاتفاقية، ليصبح بين أيدي الادارة الاميركية مستند رسمي تستطيع البناء عليه وتحديد موقفها النهائي من إمكانية تجاوز العقوبات، واعطاء الاعفاءات من قانون قيصر». هذا من الناحية القانونية، أما لجهة التمويل فيستبعد أيوب أن يعطي البنك الدولي موافقته قبل نهاية الصيف الحالي نظراً لدخوله في العطلة الصيفية. وعليه فان التوقيع ما هو إلا «زوبعة في فنجان».
محدودية الاستفادة
أحسن السيناريوات المرسومة لا يبشّر بامكانية وصول الغاز من مصر لتغذية معمل دير عمار في شمال لبنان قبل شهر أيلول القادم. وعندها تكون صفقة النفط العراقي التي تؤمن بين 40 إلى 60 ألف طن شهرياً قد شارفت على نهايتها. ويخسر لبنان إمكانية رفع التغذية إلى ما بين 800 و1200 ميغاواط خصوصاً مع عدم توفر التمويل الذاتي أو عبر القروض ورفض الطلب لاعطاء الكهرباء سلفات خزينة لشراء الفيول.
الإصلاحات أولاً
من جهتها ترى عضو المجلس الإستشاري للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز «LOGI»، والخبيرة في شؤون حوكمة الطاقة ديانا القيسي، أن المشكلة ليست في التمويل ولا في قانون قيصر. فموافقة الادارة الاميركية على استثناء كل من الغاز والكهرباء من القانون هي شبه بروتوكولية وتتبع سلسلة من الخطوات يعمل عليها بشكل جدي. أما التمويل فهو مرتبط بتحقيق الجانب اللبناني الاصلاحات في قطاع الكهرباء لكي لا تذهب الاموال هباءً. ويأتي في مقدم الاصلاحات المطلوبة تطبيق القانون 432/2002 وتعيين الهيئة الناظمة وتعديل التعرفة وتحسين الجباية وتخفيض الهدرين التقني وغير التقني. وبرأيها من المفترض أن نشكر البنك الدولي لعدم اعطائه الاموال قبل التأكد من انجاز الاصلاحات.
رغم الصعوبات والعقبات يبقى الغاز المصري خياراً جيداً سواء كان لجهة الكلفة أو لجهة زيادة الكمية المستفاد منها في حال إنشاء معمل دير عمار 2 بقدرة تصل إلى 1000 ميغاواط. إلا أن الاهم يبقى إنجاز الاصلاحات وتأمين الشفافية والحوكمة الرشيدة في القطاع.