في انتظار أن تتحول آمال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى وقائع، بقرب دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد، تبقى أنظار بعض من في يدهم السلطة شاخصة على مساعي تأمين إنجاز واحد على الأقل، يعوض عن العجز عن عقد اجتماع للحكومة. وهو أمر يخضع لموجات التفاؤل التي ما تلبث أوساط الثنائي الشيعي أن تبددها.
يسعى المعنيون إلى إيجاد المخارج من أجل وضع القرارات التي تتخذها اللجان الوزارية من أجل تعويض موظفي القطاع العام جزءاً يسيراً مما خسرته رواتبهم، بفعل غلاء المعيشة الجنوني والارتفاع الصاروخي لسعر صرف الدولار، موضع التنفيذ، على رغم أن الجسم النقابي لهؤلاء لم يرضَ بها. فخطوات كهذه تحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء.
الإنجاز الذي يشكل “تعويضاً” لميقاتي عن عدم الاستقالة جراء شل حكومته، وتسليمه بعدم إخلاء الساحة للفراغ بناء لطلب أميركي فرنسي، يفترض أن يكون تحسين التغذية بالتيار الكهربائي الذي سعت إليه السفيرة الأميركية دوروثي شيا عن طريق استجرار الغاز المصري عبر الأردن ثم سوريا إلى محطة دير عمار، وعن طريق استجرار الكهرباء من الأردن عبر سوريا أيضاً، لعل ذلك يتيح للحكومة القول إنها حققت شيئاً ما على رغم الشلل الذي أصاب عملها من 12 تشرين الأول الماضي، بسبب اشتراط الثنائي الشيعي إقالة القاضي طارق البيطار.
إلا أن العملية لم تكن بالسهولة التي أوحى بها الجانب الأميركي لجهة الوعد بإعفاء لبنان وسوريا من عقوبات قانون قيصر على التعامل مع النظام السوري. فهذا القانون الصادر عن الكونغرس لا يعطي الإدارة الحق في التصرف كيفما كان في ظل تربص النواب والشيوخ الجمهوريين بإدارة الرئيس جو بايدن، والتوجه نحو التشدد في التعاطي مع الحكم في دمشق.
والأمر لا يتوقف فقط على إعفاء لبنان وسوريا بل يطال مصر والأردن.
منذ أواخر الشهر الماضي توالت التحذيرات للبنان والدول المعنية من جهات أميركية عبر قنوات عدة، بأنه يجب عدم الاكتفاء بالإعفاء الشفهي من العقوبات وتفادياً لأي سوء تفاهم لاحقاً من الضروري الحصول عليه لكل من الدول المعنية خطياً.
حتى أن جويل رايبورن مستشار الأمن القومي الأميركي السابق في عهد دونالد ترامب ذهب أبعد من ذلك في تغريدة على “تويتر”، في 29 تشرين الأول، إذ اعتبر أن “الصفقة لن تصمد أمام موقف الكونغرس، وإن قانون قيصر لا يستثني التزود بالطاقة بين أمور أخرى، لا سيما إذا كانت هناك تحويلات بالعلاقة مع النظام السوري أو أي جهة تشملها العقوبات، ولا يمكن لأي رسالة خطية أن تتجاوز هذه الحقيقة”.
هذه التحذيرات كانت سبباً في مراجعات قانونية على أعلى المستويات.
لم تكتفِ القاهرة بكتاب تطمينات تلقته بمنحها إعفاء موقتاً من العقوبات التي يفرضها قانون قيصر على المتعاملين مع النظام السوري والكيانات التابعة له، إذا نفذت ما اتفق عليه شفهياً بضخ الغاز المصري عبر الأنبوب العربي الذي يمر بالأردن إلى سوريا، ليتم تنفيذ الـ”سواب” على أراضي سوريا، فتحصل الأخيرة على الكمية التي تحتاجها لاستهلاكها المحلي من الغاز المصري، لتضخ دمشق من الغاز الذي تنتجه من الحقول الموجودة على أراضيها، إلى شمال لبنان، عبر الأنبوب الذي يربط البلدين.
من المخارج التي ستعتمد مقابل هذه العملية، وتجنباً للعقوبات على لبنان، لا يدفع الأخير لسوريا ثمن ما ستضخه، طالما أنها ستحصل على مقابله من الغاز المصري. إلا أن ثمن الغاز المصري الذي يفترض ضخه إلى سوريا، فسيدفعه لبنان، لكن البنك الدولي هو الذي سيتولى تسديده من قرض تقرر منحه إياه من أجل تأمين تشغيل معمل دير عمار لإنتاج الكهرباء، بناء لتدخل أميركي مع إدارة البنك كي يسهل العملية.
ضخ الغاز المصري إلى سوريا لن يبدأ، على افتراض أن المسائل التقنية كلها قد حلت، إلا بعد حصول القاهرة على رسالة خطية من وزارة الخزانة الأميركية بأنها معفاة في شكل قطعي وحاسم من أي عقوبة قد تُفرض عليها وفقاً لقانون قيصر. فالسلطات المصرية لا تريد المغامرة بأي خطوة قبل ضمان ذلك، لأن “الشركة المصرية القابضة للغاز”، الوحيدة التي تتولى تسويق وبيع الغاز في مصر، هي التي ستتولى العملية، وبالتالي لا تنوي القاهرة المغامرة بأي خطوة غير محسوبة تنعكس على عمليات الشركة ككل وليس فقط على ضخ الغاز إلى سوريا بناء للاتفاق مع لبنان. لذلك تنتظر السلطات المصرية كتاباً أميركياً رسمياً لا يحتمل أي تأويل أو تفسير، بأن العملية التي تقوم بها لن تخضع للعقوبات في أي وقت من الأوقات. وهي حاسمة في ذلك، خصوصاً أن الكتاب الخطي يفترض أن يوزع المسؤوليات عن هذه العملية حسب الاتفاقات التي ستحدد كيفية إتمام العملية.