IMLebanon

حصة سوريا من الغاز المصري

 

 

قد تكون فكرة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي بالحكومة من 14 وزيراً على أن تضم أقطاباً، جميلة، لكن تحقيقها أكثر صعوبة من حكومة الـ24 المتعثرة.

 

إذا كانت العقدة الأساسية أمام حكومة الـ24 هي إصرار الفريق الرئاسي على الحصول على الثلث المعطل، وهو ما يحول دون ولادتها، فإن حكومة الـ14 بذاتها “تعطّل” حصول الرئيس ميشال عون على الثلث المعطل، فضلاً عن أن افتراض ضم أقطاب إليها سيكبّل طموحات الرئاسة في التحكم بمقاليد الحكومة المقبلة التي يريدها عون ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أن تسمح تركيبتها بتطويعها لأهدافهما سواء الانتخابية النيابية أو الرئاسية المقبلة. وتوزيع المقاعد والوزراء في الحكومة المصغرة سيجعل عون أولاً بين متساوين لن يقبلوا الهيمنة عليهم كما حصل في الحكومات السابقة، بدلاً من أن يكون رئيساً على وزراء يغلب عليهم صفة المستشارين أو الموظفين وبعضهم درجة رابعة، وقسم منهم يأتمر بباسيل.

 

من بين عناصر لعبة الثلث المعطل إذا بقيت تلك الحكومة المصغرة تصرف الأعمال لتعذر تشكيل حكومة جديدة بعد ولادة برلمان جديد في الربيع المقبل، ثم تولت صلاحيات الرئاسة الأولى إذا حصل فراغ رئاسي، أن الفريق الرئاسي يريد حكومة يمكنه التحكم بتوجهاتها إزاء احتمالات كهذه.

 

رفض عون أصلاً صيغة الحكومة المصغرة التي طرحها عليه الرئيس سعد الحريري من 18 وزيراً، في الشهرين الأولين من تكليفه لأنها لا تتيح له خوض معركة الحصول على الثلث المعطل، (استُخدمت حينها حجة عدم جواز حصول وزير على أكثر من حقيبة) فرفع العدد إلى 24 مستنداً إلى رفض الثنائي الشيعي أن يحظى الفريق الرئاسي عليه، لكن سرعان ما تبين أن “حزب الله” التزم كلامياً بذلك، وترك لحليفه العوني أن يتصدر لعبة التعطيل. فالقاعدة هي إما حكومة كما أريد أو لا حكومة وأحكم بحكومة تصريف الأعمال كما أريد.

 

وإذا كان ميقاتي سعى عبر فكرة الـ14 وزيراً لتحريك المياه الراكدة بسبب انسداد الأفق أمام حكومة الـ24 بسبب الثلث المعطل، فإن استبعاد قبول الرئيس عون بالحكومة المصغرة عائق جوهري أمامها، فإن العائق الآخر هو عدم استعداد بعض الأقطاب للمشاركة الشخصية في هكذا حكومة.

 

وافق ميقاتي مثل الحريري على حصول عون على 8 وزراء، وأناط الأخير بباسيل تسميتهم، ورغم ذلك لن يمنح تكتل الأخير النيابي الثقة للحكومة في حال رأت النور. وبات الرئيس المكلف أسير التكليف والاعتذار، الذي لم يعد قراره وحده، بل تشاركه فيه باريس الناصحة بالتريث نتيجة خوفها من التدهور المعيشي أكثر إذا تنحى ميقاتي، وتعذر تكليف شخصية سنية أخرى ما ينقل الصراع السياسي إلى مرحلة أكثر حراجة.

 

الانتظار القاتل يوازيه عن قصد، عدم اكتراث تحالف عون – “حزب الله” بتسريع تشكيل الحكومة، بقدر امتطاء النفوذ الإيراني مآسي اللبنانيين المتفاقمة جراء الفراغ، من أجل تحقيق مكاسب في إطار الصراع الإقليمي، عبر باخرة المازوت الإيراني وما سيتبعها باسم “خرق الحصار الأميركي”. فكسر العقوبات الأميركية لن يقتصر على دخول عينات من النفط الإيراني إلى البلد، بل يلاقيه كسر لعقوبات قانون قيصر على سوريا أيضاً، في سياق مسارعة الجانب الأميركي لوعد لبنان باستثنائه، وسوريا، من العقوبات على استجرار الكهرباء من الأردن، والغاز من مصر عبر أراضيها، لقطع الطريق على اعتماده على النفط الإيراني.

 

كان الهم كيفية حصول سوريا بدورها على حصة من الغاز الذي يفترض استقدامه من مصر. ولذلك طلبت سوريا في الاتصالات التمهيدية لزيارة الوفد الوزاري الى دمشق أن تؤدي موافقتها على الطلب “الرسمي” اللبناني، إلى تخصيص كمية من هذا الغاز الذي سيعبر أراضيها لسد النقص الكبير في احتياجاتها، والذي كانت تغطي جزءاً منه عبر التهريب من لبنان. المطلوب من وراء كل المناورات التي شهدناها، أن يجري حل أزمة سوريا الكبيرة في المحروقات والكهرباء، مقابل السعي إلى حل أزمة لبنان في الطاقة. وتهريب المحروقات إلى بلاد الشام، سيتراجع كثيراً مع اقتراب رفع الدعم عن استيراد المحروقات في لبنان.

 

مرة أخرى يربط محور الممانعة معالجة مشكلة لبنانية بمقابل لسوريا، في وقت لا تستطيع طهران معالجته، هي التي اضطرت إلى خفض تزويد العراق بالغاز.

 

اقتضى كل ذلك ملهاة عن الهدف الرئيس، ما يجري حول الحكومة وزيارة الوفد الوزاري إلى دمشق أحد فصوله، في ظل مزيد من ارتماء الفريق الحاكم في أحضان الممانعة عبر خدماته لها.