IMLebanon

أفكار مصرية لحل لبناني: الرئيس ضرورة لأمننا القومي

بالرغم مما يبدو للبعض من ابتعاد مصري عن لبنان في الفترة الأخيرة، الا ان القاهرة تبدو اليوم أقرب الى هذا البلد أكثر من أي وقت مضى في السنوات الأخيرة.

ليس لبنان تفصيلا في السياسة المصرية في المشرق العربي، إنه بوابتها على هذا المشرق، ومتى كان مريضاً، فإن هذا المرض يهدد الجسد المصري، أما إذا كان معافى، لا بد للقاهرة أن تطمئن.

«لبنان جزء من الأمن القومي المصري». هكذا يصفه متابعون عن كثب للعلاقات المصرية اللبنانية كما لدور القاهرة المحوري الذي يُرسم ببطء وبتأن، في المنطقة.

والحال ان القاهرة كانت في مراحل مختلفة من التاريخ العربي، الأم العربية الحنون للبنان. وقد استهل هذا الأمر منذ تاريخ الملكية في مصر مع خروج لبنان باستقلال هشّ في اربعينيات القرن الماضي. واستمر هذا الأمر في مرحلة الرئيس جمال عبد الناصر، بعد فترة من الإنكار في عهد الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون. لكن، منذ العام 1958، وفي مرحلة المد العروبي التي شهدت وحدة مصر وسوريا بين العامين 1958 و1961، بات لبنان بمثابة الشقيق الأصغر لمصر، واستمر هذا الأمر في الستينيات مع مرحلة صعود المقاومة الفلسطينية المسلحة والتي كان لعبد الناصر الفضل في تشريعها لبنانيا عبر اتفاق القاهرة في العام 69..

مع وفاة عبد الناصر وخروج القاهرة على الاجماع العربي وعقدها اتفاق سلام مع إسرائيل، تراجع دور مصر في السبعينيات والثمانينيات، حتى أواسط التسعينيات، حين كانت للقاهرة كلمة إيجابية في التجديد للرئيس الياس الهراوي لثلاث سنوات. وقد ازداد نفوذ القاهرة مع انسحاب سوريا من لبنان في العام 2005، وخرج ترشيح الرئيس ميشال سليمان الى الرئاسة من القاهرة نفسها.

اليوم، تتحرك القاهرة على خط استقرار المنطقة، بدءا من سوريا، لكن، انطلاقا من لبنان الذي بات على شفير الانهيار، كما يشير المتابعون للشأن المصري. وتأتي زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لبيروت غداً، في محاولة لخرق الركود الحاصل على الصعيد الرئاسي.

لا تطرح القاهرة اسماً محدداً للرئاسة، بل تطرح مجموعة صفات لهذا المرشح، تتلاءم مع الوضع الاقليمي الدقيق. تريد مصر رئيساً جامعاً لكل اللبنانيين، يؤمن بمؤسسات الدولة، العسكرية والأمنية والقضائية، يساهم، من موقعه، بتفكيك أزمات البلاد التي ترتبط بالواقع المتردي للمنطقة، وخصوصا في سوريا.

ولعل القاهرة تراقب بقلق ما يحدث في خاصرتيها العربيتين، الأولى الشرقية التي يمثلها لبنان وسوريا، والأردن، والمهددة بخطري الإرهاب من ناحية، والتقسيم من ناحية أخرى، والثانية الغربية المتمثلة في الجوار الليبي حيث تنشط الجماعات المسلحة التكفيرية..

تشعر القاهرة ان مواجهة الخطر الوجودي التكفيري في الداخل المصري، يجب ان يبدأ من خارج الحدود، وتتمثل البداية بحفظ استقرار الدول العربية المجاورة وخصوصا لبنان وسوريا والأردن.

في سوريا، التي تشكل مفتاح هذا الامر، ثمة ثوابت ثلاث للسياسة المصرية:

أولا، الحفاظ على وحدة التراب السوري.

ثانيا، المحافظة على شكل الدولة السورية ومنعها من الانهيار.

ثالثا، حماية الجيش العربي السوري.

ولعل انهيار سوريا، سيفتح الباب امام انهيار دول مجاورة، ومنها الأردن الذي يصعد فيه الإسلام السياسي بقوة، وثمة خشية من تغلغل الجماعات الإرهابية فيه. وتدعو مصر الى دور عربي يرتقي الى محور بوجه التكتلات التي تتبلور في المنطقة. من هنا، كانت دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الى انشاء قوات عربية تكون مهمتها التدخل في أماكن التوترات في العالم العربي. لكن هذا الامر يبدو انه لم يلق استجابة من قبل دول عربية عدة، لكن ذلك لا يمنع القاهرة من الاستمرار في الدعوة الى سياسة «لا محورية» في المنطقة، بعيدة عن اية اصطفافات مذهبية او طائفية.

لذا، تأتي زيارة شكري الى لبنان، في محاولة لتحييد هذا البلد عن نزاعات المنطقة، وذلك انطلاقا من ادراكها لدقة الوضع اللبناني.

لماذا تقوم القاهرة بهذا الدور الآن؟

منذ أكثر من سنتين، لم يأت زائر مصري على هذا المستوى الى لبنان. اليوم، تبدو القاهرة مستعدة للتصدي لدورها بوصفها الدولة العربية الأكبر، وبالرغم من ابرازها للسمات التي ينبغي ان يتحلى بها الرئيس اللبناني الجديد، لا «فيتو» لديها على احد. وهي لا ترغب في الظهور بمظهر المتدخل في الشأن اللبناني، وسيبدي شكري «النصح» للمسؤولين الذين سيلتقيهم وإبداء الاستعداد للمساعدة في ترسيخ حل لبناني للوضع اللبناني.

ليس دور القاهرة مستجداً، هي ساهمت في انتخاب الشيخ عبد اللطيف دريان على رأس دار الفتوى، في ظل تفاهم حصل مع أكثر من قوة إقليمية، بينها السعودية وسوريا.. «إنها محاولة لتكرار التجربة». هي باختصار مساهمة مصرية في «فكفكة» الألغام اللبنانية وعدم ربطها بالمحيط، وإشعار اللبنانيين أن مصر هي في خضمّ المساعدة على الحل اللبناني. وذلك ليس غريبا طالما ان لبنان هو بوابة الأمن القومي المشرقي بالنسبة الى القاهرة.