سبَق زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لبيروت حديث عن مبادرة مصرية نسجت لها تفاهمات إقليمية ودولية، لكن سرعان ما تبخّرت الآمال مع أولى تصريحاته، وزاد الطين بلة أنّ القضاء المصري حرَّك بالتزامن معها ملفاتٍ لشخصيات اتّهمت بالتعامل مع «حزب الله»، وهو ما شكل مؤشراً سلبياً عزّزته المقاطعة المتبادَلة بين القاهرة والحزب. وعندها طرح السؤال عن أيّ مبادرة يتحدّثون؟
قلائل كانوا يرصدون التوجّهات المصرية في هذه المرحلة التي سبقت الجولة الجديدة لشكري الى بيروت في إطار جولته على دول الجوار السوري وبعض العواصم المؤثرة في أحداثها.
ولو تعمّقوا جيداً في ما بلغته الخلافات بين الإدارة المصرية وعدد من الدول المؤثرة في الملفين السوري واللبناني لما توسّعوا في التبشير بأيّ مبادرة مصرية في مثل الظروف التي تعيشها المنطقة والتداعيات الكبرى التي خلّفتها الأزمة السورية ونمت على حساب ملفات إقليمية وعربية طويت موقتاً، بعدما بلغت حدودها القصوى وإستأثرت بكلّ الحراك الإقليمي والدولي.
قبل أن يبدأ شكري زيارته، جال السفير المصري محمد بدر الدين زايد على القيادات الرسمية والسياسية والحزبية مبلِّغاً إياهم رغبة رأس الديبلوماسية المصرية في أن تكون بيروت على لائحة العواصم التي يزورها لمواكبة التطوّرات التي تعيشها المنطقة تأكيداً على حضور مصر في كلّ الساحات العربية، مبدياً الإستعداد لأيّ خطوة مطلوبة منها رغم كلّ العوائق المعروفة في طريقه والتي تنعكس على الوضع في لبنان والأداء المصري برمّته.
وثمّة مَن يعتقد أنّ العوائق أمام أيّ مبادرة مصرية كانت من خارج سياق المواقف اللبنانية والمعطيات الداخلية التي تعقد الملفات ولا سيما منها الإستحقاق الرئاسي، وهو من الملفات التي تبرّعت الديبلوماسية المصرية بمقاربتها، إذ إنّ ما عقّد الأمور جاء من القاهرة ويمكن الإشارة اليه بالمعطيات الآتية:
قبل ساعات من توجّه شكري الى بيروت، قرّر القضاء المصري فتح تحقيق مع المرشّحين السابقين إلى الرئاسة المصرية حمدين صباحي وعبد المنعم أبوالفتوح بتهمة التخابر مع «حزب الله» وإيران، والقبض عليهما لدى عودتهما إلى مصر. وما يُبرّر الخطوة القضائية الحديثة جاء على خلفية مشاركتهما في مؤتمر لدعم للمقاومة رفضاً لـ «تصنيفها بالإرهاب» والذي عقد في بيروت في 15 تموز الماضي بدعوة من «المؤتمر القومي الإسلامي» والمؤتمر القومي العربي» في لبنان.
ولذلك فقد أمَر النائب العام المصري المستشار نبيل صادق، بفتح التحقيق معهما بتهمة «التخابر مع حزب الله وإيران» بما يُهدّد الأمن القومي المصري»، طالباً وضعهما على لوائح المطلوبين على مختلف المرافئ المصرية البرية والبحرية والجوية والقبض عليهما لدى عودتهما إلى البلاد.
وبهذه الطريقة، أجرى القضاء المصري ربطاً للنزاع القضائي المفتوح مع «حزب الله» وإيران جراء الأحكام السابقة التي صدرت في حق «حزب الله» الذي ألحق «أضراراً بالأمن القومي» نتيجة تدخل مجموعات منه للإفراج عن موقوفين له في السجون المصرية تابعين لـ»مجموعة سامي شهاب» أثناء الثورة على حكم الرئيس السابق حسني مبارك، والتي كان يديرها شهاب ما بين الأراضي المصرية وغزة.
من هذه المبادرة القضائية، نشأ التشكيك الديبلوماسي والسياسي بقدرة الوزير المصري على إدارة أو طرح أيّ مبادرة تجاه لبنان، وزاد من انعكاساتها السلبية أن جاءت الزيارة لتستثني مسؤولي «حزب الله» من أيّ لقاء ينوي عقده مع أيّ منهم، فيما لم يُبدِ الحزب أيّ موقف مماثل، ولو كان في الواقع لا يعطي هذا الموضوع أهمية كبرى، فراقب الزيارة عن بعد ولم يسجل أيّ موقف علني منها.
على هذه الخلفيات، قلّلت المصادر المصرية من أهمية التسريبات التي قالت إنّ شكري بادر في لقاءاته الرسمية في بيروت الى التعبير عن استعداده لأيّ لقاءات مع قياديي «حزب الله»، وأنّ ما يجري في مصر لا يخرج عن إطار المتابعات القضائية الروتينية التي لا تنتهي في سنوات ولا علاقة لها بالديبلوماسية المصرية التي تجاوزت ما رافق تلك الفترة من خلال المحاكمات السابقة ولعلّ أبرزها وجود الرئيس السابق محمد مرسي ومعاونيه الكبار في السجون المصرية.
ومن هذه المنطلقات، قالت مصادر ديبلوماسية واكبت زيارة شكري الى بيروت إنه كان مستمعاً وتحاشى الإشارة الى ما يتصل بـ «حزب الله» رغم إشارته الى الإرهاب في اكثر من تصريح، خصوصاً أنّ بلاده ساندت مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي في تصنيف الحزب منظمة إرهابية، وهو موقف لم يتغيّر.
وبناءً على ما تقدم، ظهر أنّ الحديث عن مبادرة مصرية هو كلام استباقي لمهمة مستحيلة في الظروف الراهنة، وها هو شكري الذي غادر بيروت كما وصل اليها بمعزل عن مجموعة المواقف المتضامنة مع لبنان وحجم المواقف الديبلوماسية الثابتة التي أطلقها والتي لا توفّر مخرجاً لأيّ من الأزمات اللبنانية ولا سيما منها الإستحقاق الرئاسي.