Site icon IMLebanon

خسارة القطاع السياحي المصري

  

من زار مصر في أعياد نهاية السنة أدرك عمق الأزمة التي سبّبها الإرهاب في هذا البلد الغني بمعالمه السياحية. فمن أسوان إلى الأقصر إلى العاصمة القاهرة إلى شرم الشيخ والغردقة وكلها أماكن بديعة تجذب تقليدياً في هذا الموسم عدداً كبيراً من السياح، ظهر تأثير الإرهاب من خلال تراجع عدد السياح الذين يأتون من خارج البلد، فمعظم السياح كانوا مصريين أتوا لزيارة معالم بلدهم الكبير والغني بالتاريخ مع قلة من الصينيين القادمين من شنغهاي وبكين. والمحلات التجارية التي تحيط بالأماكن السياحية تعاني من خسائر كبرى، والباصات السياحية متوقفة على جانب الطرق فارغة من السياح، وبعض المحلات أقفل كلياً نتيجة غياب السياحة. ويقول أحد المهتمين بقطاع السياحة المصري إن هذا الواقع المرير نتج عنه ٨ ملايين عاطل من العمل بسبب خسارة وظائفهم في قطاع السياحة في مصر.

تخسر مصر مئات ملايين الدولارات شهرياً منذ أن توقفت السياحة الروسية والبريطانية إليها بعد العملية الإرهابية التي أسقطت الطائرة الروسية في سيناء وأدت إلى مقتل 224 سائحاً روسياً. أما أحداث الثورة في ٢٠١١، فقد أدت إلى تراجع في قطاع السياحة ثم تأزم الأحوال السياسية في المنطقة بأسرها وكلها أثرت بشكل كبير على هذا القطاع المهم للاقتصاد المصري. إن مئات البواخر التي كانت تبحر في النيل بين أسوان والأقصر متوقفة بسبب غياب السياح. والإرهاب يطاول المنطقة بأسرها من حروب يخوضها بشار الأسد وإيران و «حزب الله» وروسيا ضد الشعب السوري إلى ظاهرة «داعش» الوحشية في سورية والعراق وليبيا وجميع أنحاء العالم العربي، وكلها تهديدات كبرى لا تشجع الأجانب على زيارة المنطقة حتى لو كانت دولهم مثل فرنسا وغيرها هي ضحية الإرهاب، فبعد عملية باريس الإرهابية في ١٣ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، شهدت العاصمة الفرنسية تراجعاً في عمل التجار والمطاعم لقلة رغبة الناس في الخروج من بيوتهم. وحركة السياحة خفت أيضاً مع تقليص عدد الآتين إلى الفنادق في باريس.

فالإرهاب يزعزع استقرار أي بلد. ولا شك في أن هنالك جهوداً تبذل في مصر لتشجيع عودة السياحة ومحاولة ضبط الأمن. ولكن السائح الحذر لا يثق بإجراءات أمنية لا يمكن أن تكون حازمة مئة في المئة. وفي بلد فيه فقر كبير من السهل للإرهابيين رشوة وكلاء لهم للقيام بأعمال تخريبية وإجرامية في ظل تطورات مرعبة في المنطقة. فالتسلل من بلد فيه إرهابيون ومسلحون وفوضى مثل ليبيا، إلى مصر سهل جداً إذا لم تسيطر مصر على هذه الظاهرة. ولكن كيف تمكن مواجهة هذا التهديد؟ وحدها الدولة القوية والمنظمة والصارمة بإمكانها مواجهة تهديدات الإرهاب. إن التسامح مع الإرهابيين وتركهم يتسللون لقطع شريان أساسي من قطاع حيوي في اقتصاد البلد مثل السياحة، مرفوض. مصر بلد عريق وغني بتراثه، ولا يمكن أن يترك قطاعه السياحي يتدهور. لذا لا مفر من أن تكون القيادة المصرية صارمة ولكن بوعي وذكاء لمواجهة هذا الداء الذي ينتشر في العالم بأسره، وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث ينشأ ويتغلغل. والحل ليس بالسلاح والقوة فقط ولكن بالتعليم وفتح العقول على الحداثة والتطور والابتعاد من التعصب والتشدد الديني ومنع رجال الدين الجهلة من نشر أكاذيب ودعايات بعيدة كل البعد من فحوى الدين الإسلامي.

إن مكافحة الإرهاب ينبغي أن تكون عملاً يومياً تعليمياً وثقافياً للأجيال الصاعدة في مصر وفي جميع دول العالم الإسلامي، المعرضة أيضاً لهذه الظاهرة القاتلة.