IMLebanon

قدر مصر الجيوسياسي وخيارها الاستراتيجي

قصف الطيران المصري لمواقع الارهابيين في ليبيا أبعد من رد غاضب على أحدث حلقة في سلسلة عمليات ارهابية: مجزرة ارتكبها ارهابيون تدربوا في تلك المواقع راح ضحيتها عشرات الاقباط على الطريق الى دير الانبا صموئيل في المنيا. وليس مجرد رسم خط على الرمل اعلان القاهرة ان امن مصر القومي يبدأ خارج الحدود. فهذا قدر مصر الجيوسياسي وخيارها الاستراتيجي: من ايام الفراعنة الى ايام محمد علي باشا الى ايام الرئيس جمال عبد الناصر. ولا أمن لمصر في الاطار الاستراتيجي، ولو لم يكن هناك ارهاب، من دون الالتفات الى الجنوب حيث ليبيا والسودان، والى الشمال حيث بلاد الشام.

ومصر ليست ضعيفة، لكن الظروف سمحت لضعفاء باستضعافها. ظروف كامب ديفيد وخسارة مصر لدورها القيادي العربي. ظروف الترهل في ايام الرئيس حسني مبارك حتى بعد عودة العرب والجامعة الى القاهرة. والظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في الداخل والحاجة الى مساعدات من الخارج. وليس داعش سوى التنظيم الأخير في قافلة تنظيمات خارجية وداخلية تمولها وتسلحها دول هي أقل من دويلات، وتمارس خطة خبيثة للاعتداء على الاقباط وتفجير كنائسهم وبالتالي ضرب الوحدة الوطنية تمهيدا لنقل البلد الى ادارة التوحش. وهذه مهمة مستحيلة، وان ألحقت الاذى بمصر والمصريين.

وليس القرار الذي اعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي حين كانت الطائرات الحربية تقوم بالمهمة سوى بداية الرد على استضعاف مصر والعودة الى ممارسة الدور الذي يفرضه القدر الجيوسياسي والخيار الاستراتيجي. فلا أمن مصر القومي سوى الأمن القومي العربي. ولا الدول العربية التي حاولت ان ترث دور مصر القيادي تمكنت من ذلك، ولو ارتدت ثياب مصر التاريخية. وعلى العكس، فان غياب مصر كان فرصة لقوى التطرف والارهاب في تقوية العصبيات الطائفية والمذهبية والاتنية على حساب العصب القومي العربي، واعادة المنطقة الى مرحلة ما دون الدولة.

لكن معاودة الدور المصري تطرح اسئلة، وان كانت من امنيات الكثيرين. ففي آخر زيارة له الى بيروت قبل رحيله سئل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل: متى تعود مصر الى دورها العربي المنتظر؟ وكان جوابه شديد الواقعية: الدنيا تغيرت كثيرا. لا مصر اليوم هي مصر ايام جمال عبد الناصر، ولا العالم العربي اليوم هو العالم العربي في تلك الايام.

لكن مصر لم تفقد موقعها، وان تبدل احيانا موقفها. ومن الصعب ان تبقى مشغولة بهمومها الداخلية. وهي ترى العالم العربي مسرحا لصراع المحاور والمشاريع الاقليمية. والاصعب هو ان تنجح مجددا في قيادة العالم العربي من دون ان يكون العالم العربي مستعدا لأن يلعب دوره في مساعدة مصر وحمايتها من الارهاب.