انخفض مستوى تمثيل لبنان في “مؤتمر بروكسل الثامن حول دعم مستقبل سوريا والمنطقة” الذي يُعقد يوم الإثنين المقبل في 27 أيّار الجاري على المستوى الوزاري، من مشاركة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي فيه الى وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب. فقد تيقن ميقاتي أنّ مشاركته في المؤتمر لن تُعطي لبنان ما يُطالب به، أي تقديم المساعدات المالية للنازحين السوريين بعد عودتهم الى بلادهم، لأنّ استمرار مدّهم بهذه المساعدات يُبقيهم على الأراضي اللبنانية. الأمر الذي لم يعد باستطاعة لبنان تحمّل وزره وتبعاته، كونه بات يُشكّل خطراً كبيراً على الديموغرافيا، كما على الأمن والإستقرار فيه، مع توافر السلاح في أيدي السوريين المنتشرين على كامل أراضيه.
وكان بو حبيب قد واجه أخيراً مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان من خلال استدعاء ممثلها إيفو فريسون، وأبلغه سحب الرسالة التي وجّهتها المفوضية الى وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، واعتبارها بحكم الملغاة، لأنّها لم تحترم الأصول الديبلوماسية وتتدخّل في الصلاحيات السيادية للبنان، وهذا ما حصل فعلاً. وطالبه بتسليم “داتا” النازحين كاملة ودون إبطاء، في مهلة أقصاها نهاية أيّار الحالي (أي يوم الجمعة المقبل ما بعد انعقاد مؤتمر بروكسل في نسخته الثامنة)، وفقاً لمذكرة التفاهم الموقعة في 8 آب 2023 مع وزارة الخارجية والمغتربين. فضلاً عن الإلتزام بمذكرة التفاهم الموقّعة مع المديرية العامّة للأمن العام في 9 أيلول 2003 والصادرة في الجريدة الرسمية، حول “التعامل مع المتقدمين بطلبات اللجوء لدى مكتب المفوضية في لبنان”، وتطبيقها نصّاً وروحاً… وإلّا فإنّ الخارجية ستكون مضطرة الى إعادة النظر بتعاملها مع المفوضية، اسوة بما اتخذته دول أخرى من إجراءات بحقّها لدى قيامها بتجاوزات مماثلة.
ويبدو أنّ لبنان لن يُحصّل شيئاً من “مؤتمر بروكسل” الذي يعقد للمرة الثامنة على التوالي، على ما تقول مصادر سياسية مطلعة، بعد أن كان يُعوّل على دعم موقفه من قبل قبرص، التي وعد رئيسها نيكوس خريستودوليدس (الذي زار لبنان مرتين أخيراً لبحث مسألة الهجرة غير الشرعية) بالقيام بمسعى لدى الإتحاد الأوروبي لوضع “إطار عملي” مع لبنان، على غرار ما حصل بين الإتحاد وكلّ من مصر وتونس، بهدف منح الحكومة اللبنانية المزيد من المساعدات الضرورية، وإعطاء النازحين السوريين حوافز للعودة الى بلادهم.
أمّا لماذا لن تنجح مساعي لبنان وقبرص في الإتحاد الأوروبي، فلأسباب عدّة، تجيب المصادر وتعود الى:
1- الموقف الدولي والأوروبي لم يتغيّر، وينصّ على أن “لا عودة للنازحين السوريين الى بلادهم قبل تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، المتخذ بالإجماع في 18 كانون الأول 2015، والمتعلّق بالتوصّل الى تسوية سياسية شاملة للوضع في سوريا”. وهذا يعني ربط الحلّ الشامل والمستدام لأزمة النازحين السوريين بالحلّ السياسي في سوريا، الأمر الذي يُطالب بفصله من أجل تسهيل عودة السوريين الى بلادهم.
2- رفض الدول الأوروبية استقبال المهاجرين السوريين غير الشرعيين، نظراً لكلفتهم الباهظة عليها كونها دول لجوء، واتفاقية اللجوء ترغمها على قبولهم. فضلاً عن معارضة هذا الأمر لسياسات الترحيل، التي تقوم بها لكلّ سوري لا يلتزم بالقوانين.
3- رفض المجتمع الدولي إعادة النازحين السوريين من دول الجوار الى بلادهم، لعدم تعويم النظام السوري الحالي الذي قطعت معظم الدول علاقتها به، واستغربت إعادته الى حضن جامعة الدول العربية من قبل السعودية.
4- ربط عودة النازحين السوريين الى بلادهم بإعادة إعمار سوريا، وبرفع “قانون قيصر” وجميع العقوبات عنها، الأمر الذي يجده المجتمع الدولي، ومن ضمنه الإتحاد الأوروبي، غير مؤاتٍ الآن، ويحتاج الى حكومة إنتقالية أولاً.
5- التذرّع بأنّ سوريا غير آمنة حالياً لإعادة النازحين السوريين الى قراهم ومناطقهم فيها. علماً بأنّ غالبية المحافظات فيها يسودها الأمن والإستقرار، وإلّا لما كان النازحون السوريون يعودون اليها من لبنان في أيام العطل والأعياد، الأمر الذي يُفقد هؤلاء “صفة النزوح”، بحسب القوانين الدولية والمحلية.
6- إصرار الدول المانحة على ما تسمّيه “العودة الطوعية” للنازحين. وهذا يعني أنّه على الدول المضيفة انتظار أن يقرّر النازحون متى شاؤوا العودة الى بلادهم، رغم أنّ سبب نزوحهم كان الفرار من المعارك، وقد توقّفت الحرب منذ سنوات فيها، أي أنّ السبب الأساسي لنزوحهم قد انتفى.
7- عدم الإكتراث بموقف لبنان الرسمي من النزوح، وطلب تقديم المساعدات المالية للنازحين في مناطقهم، لأنّ المساعدات والحماية التي تُمنح لهم حيث هم على الأراضي اللبنانية، تجعلهم يتمسّكون بالبقاء على أراضيه.
8- اختيار لبنان كبلد ضعيف إقتصادياً ومالياً، لتجيير أزمة النازحين والمهاجرين غير الشرعيين التي تعاني منها الدول الأوروبية اليه، وإغرائه بالمساعدات المالية، رغم أنّه بلد عبور وليس بلد لجوء، كما أنّ دستوره يرفض التوطين. علماً بأنّ قرار قطع التمويل للمنظمات التي تُعنى بالنازحين، في حال اتخذ يصبّ في مصلحته.
كلّ هذه المعطيات تدلّ، على ما أكّدت المصادر نفسها، على عدم أخذ المجتمع الدولي والإتحاد الأوروبي موقف لبنان الرسمي بجديّة، رغم أنّه يشرح لهم بالأرقام (غير المتوافرة بعد لديه بشكل نهائي) عن خطورة بقاء النازحين السوريين على أرضه. فهناك نحو 38 % من المتهمين بارتكاب السرقة والإغتصاب والجرائم من التبعية السورية، فضلاً عن اقتناء الكثيرين منهم للأسلحة داخل المخيمات التي يقيمون فيها، قُدّر عددهم بـ 20 ألف نازح سوري، ما يعني أنّ أمن لبنان بات في خطر، وليس فقط كيانه ووجوده وديموغرافيته.
وقد انتشرت الدعوات من قبل بعض الأحزاب اللبنانية للإعتصام في بروكسل يوم الإثنين المقبل، من أجل تشجيع الإتحاد الأوروبي على تمويل عودة النازحين السوريين الى بلدهم، وعدم إبقائهم في لبنان، في الوقت الذي تقوم فيه السلطات الأمنية في الداخل بإجراءات وتدابير عدّة لتنظيم النزوح السوري، مع ازدياد الأعباء التي تسبّب بها على البلاد. علّ الحلّ يكون بوضعهم في مخيمات حدودية الى أن يحين موعد الحلّ السياسي في بلادهم، ما يُسهّل عودتهم اليها.