IMLebanon

عين العرب.. في أميركا!

 

تتوج معركة عين العرب (كوباني) الكردية مفارقات الحرب على الإرهاب.. أو بالأحرى القرار الأميركي بالانخراط في تلك الحرب التي طال انتظارها: تقول واشنطن إن القصف الجوي لن يكون كافياً لكنها لا تنزل على الأرض (الفخ!) ولا تترك غيرها ينزل. أي أنها تشن حرباً لا تريد الانتصار السريع فيها! بل والأنكى، أنها هي وليس غيرها، من يبث المزيد والمزيد من برقيات «الطمأنة» الى أنه، حتى القصف الجوي هذا لن يكون كافياً لمنع سقوط عين العرب!

هناك شيء غير طبيعي وغير مألوف في ما يحصل: في عدّة الحروب، تلعب ماكينة الإعلام والضخ النفسي دوراً لا يقل أهمية عن دور العسكر وآلته الحربية. بل إن ضجيج الصوت والبيان والتعبئة والمعلومة المحرّفة والإشاعات والتوليفات والفبركات على أنواعها. كلها جزء تحضيري أساسي ومركزي وحيوي في أي حرب ميدانية تلعلع فيها صليات الصواريخ ودربكات المدافع وحركة الجيوش على الأرض وحمولات الطائرات وهديرها المرعب.. بل كثيراً ما كانت الأولى تلغي الثانية لأنها تحقق الهدف المطلوب من دون إطلاق رصاصة واحدة.

لكن ما يحصل مع البروباغندا الأميركية منذ لحظة إعلان قرار الحرب على الإرهاب وتشكيل الائتلاف الدولي الواسع، وصولاً الى عين العرب، يدل على شيء آخر تماماً.. نمط جديد، هو الذي يُقال عنه إنه غير طبيعي وغير مألوف.

كأن واشنطن تقول إنها جاءت الى الحرب غصباً عنها. وإن ما يهمها فعلياً، ليس القضاء على الإرهاب الداعشي القاعدي الآن، بقدر ما يهمها التأني في رسم خرائط النفوذ في سوريا والعراق تبعاً لتطور السير نحو الهدف المتعلق بالتسوية المطلوبة مع إيران! وأي حركة «ناقصة» من نوع التعجيل في إظهار القدرة على تغيير الواقع الميداني ستؤدي حكماً الى حتمية التعبير عن التغيير في الواقع السياسي السلطوي (السوري تحديداً) وهذا ما قد «يزعج» إيران فيما المطلوب راهناً غير ذلك.

وراهناً هذه تدل على الاستراتيجية الأوبامية المتبعة: تشليح إيران ورقة المشروع النووي أهم بكثير من إسقاط سلطة الأسد المترنحة والساقطة أصلاً! وأهم بكثير من مساعدة العرب والمسلمين على التصدي الحاسم لظاهرة إرهابية تكفيرية عزّ نظيرها في هذا الزمن. التكتيك نجح مع سلطة الأسد عندما بدا أن تشليحه السلاح الكيماوي أهم من معاقبته على إرهابه الإبادي الهتلري في آب عام 2013 ضد أهل الغوطة الدمشقية، فلماذا لا ينجح على نطاق أوسع مع المشروع النووي الإيراني؟! ولماذا الاستعجال في حرق أوراق كثيرة يمكن في لحظة تشنج أن يُعاد تلميعها ورميها على طاولة المفاوضات؟!.

معركة عين العرب زادت من وتيرة الأسئلة المحرجة ولم تقللها. وكشفت وتكشف المزيد من مفارقات السياسة الأميركية المتبعة.. الى حدّ أن موقفها من «العروض» التركية لم يماثله إلا مواقف طهران وموسكو وبقايا سلطة الأسد! في حين أن فرنسا مثلاً لم تتردد في دعم أنقرة وخصوصاً في شأن إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية.

هذه واحدة من أغرب حروب واشنطن: تريد خوضها على الموجة البطيئة والفوز فيها على المدى الطويل لكن من دون أن تتكلف شيئاً، بل على حساب السوريين والعرب والأتراك والمسلمين والأكراد.. وعين العرب، على ذلك، شاهدة وشهيدة!