لن يهدأ مخيم عين الحلوة. الأغلب أن الهدنة الحالية لن تصمد وستترنح خلال أيام أو أسابيع، وان عمليات الاغتيال ستستأنف. التقارير الأمنية تشير الى أن «حرب عين الحلوة» توطئة لدخول «تنظيم الدولة الإسلامية» الى المخيم، بعدما استحصل موفدون منه على بيعات لـ «الخليفة أبو بكر البغدادي» في المخيم الفلسطيني الأكبر في لبنان
يعيش مخيم عين الحلوة فصول مرحلة جديدة قد تمهّد لـ «المواجهة الكبرى» برغم أن معظم الفصائل تحاول تجنّبها. تعزّز هذه الفرضية معلومات تُفيد بأن بعض عمليات الاغتيال التي شهدها المخيم أخيراً لم تكن فردية، بل نُفّذت بقرار.
مصادر مطّلعة على الوضع في المخيّم تؤكّد أن أمراً ما يُدبّر داخله أو له، وأن المرحلة المقبلة لن تُشبه سابقاتها لا شكلاً ولا مضموناً، سواء لناحية التحالفات أو أسلوب المواجهة. طرفا الصراع فيها هما: حركة فتح وما اصطُلح على تسميته «تجمّع الشباب المسلم».
والأخير ليس تنظيماً ذا هرمية معروفة، بل ائتلاف مجموعات إسلامية متشددة (بقايا «جند الشام» و«فتح الإسلام») تتّفق على عناوين عريضة، من دون أن يكون ذلك ملزماً لأي منها، بل يمكن لأي مجموعة أو فرد اتّخاذ أي قرار وتنفيذه من دون إبلاغ «شركائه» المفترضين. وهذا ما يُفسّر تناقض مواقف هؤلاء من التوترات التي تحدث في المخيم، بين محبّذ للتصعيد الأمني وراغب في الحفاظ على الهدوء. فضمن «تجمّع الشباب المسلم» تيار مقتنع بأن «أي مشروع جهادي نطاقه المخيم محكوم عليه بالفشل وهو يؤذينا بالدرجة الأولى»، في مقابل تيار آخر يدور في فلك «الشباب المسلم» يرى عكس ذلك.
وعبر هؤلاء، فإن التقارير الأمنية تشير الى أن تنظيم «الدولة الإسلامية» يبحث عن موطئ قدم له في المخيم الفلسطيني الأكبر في لبنان. وتكشف المعلومات أن «موفداً أو أكثر من داعش دخلوا إلى المخيم»، واستحصلوا على بيعة كثيرين ممن كانوا ينتمون إلى تنظيم «فتح الإسلام» و«جند الشام» و«القاعدة». غير أنّ المصادر تشير إلى أن التنظيم المتشدد لا يزال في مرحلة إعداد العدة: «جمع السلاح واستقطاب المؤيدين». وكشفت أن «موفدين من التنظيم المتشدد عرضوا البيعة على قياديَّين بارزين في المخيم لكنهما رفضا».
وتشير المعطيات المتوافرة إلى أن مجموعة بايعت تنظيم «الدولة الإسلامية» وضعت لائحة اغتيالات لأسماء قادة من حركة فتح إضافة الى شخصيات من تنظيمات إسلامية. وفي هذا السياق تدرج المصادر الأمنية اغتيال القيادي الفتحاوي طلال البلاونة (طلال الأردني)، في تموز الماضي. وبرغم أن المتّهم الرئيسي في عملية الاغتيال، الناشط الإسلامي بلال بدر، مبايع لـ «النصرة»، تتحدث المصادر عن تنسيق خفي بين مجموعات تدور في فلك الجهاد العالمي. وتوضح ان اغتيال البلاونة، ومحاولة اغتيال مسؤول الأمن الوطني الفلسطيني في عين الحلوة أبو أشرف العرموشي الشهر الماضي، جاءا في سياق الإعداد للإعلان الرسمي المفترض لولادة التنظيم المتشدد في عين الحلوة، وسعياً من هذه المجموعات لتقديم أوراق اعتمادها لدى التنظيم الأم. وبحسب المعلومات فإن «خلايا الدولة تنشط على نحو أمني عنقودي، وهي تعمل على اختراق الجميع»، بمن فيهم «عصبة الأنصار». وتكشف المصادر أن العمل جار على قدم وساق للإعلان رسمياً عن ولادة «الدولة الإسلامية» في المخيم.
وعلى المقلب الآخر، تقدّم حركة فتح نفسها على أنها الفصيل الأقدر على مواجهة الإرهاب المتشدد في المخيم، ولا سيما بعد فشل «حماس» و«عصبة الأنصار» في المواجهة واختراق التنظيم المتشدد لصفوفهما في أحيان كثيرة. وتفيد المعلومات بأنّها ربما تكون المرة الأولى التي قد يُضطر فيها حزب الله الى دعم حركة فتح العلمانية في هذه المواجهة مع التمدد الأصولي، بعدما كان يفضّل التحالف مع الإسلاميين كـ «حماس» أو العصبة.
وتختلف قراءة كل من فتح والإسلاميين للمعركة الأخيرة في عين الحلوة، التي انفجرت عقب محاولة اغتيال العرموشي، ففيما تعدها الحركة الفلسطينية درساً قاسياً للإسلاميين، يؤكّد «الشباب المسلم» أن فتح مُنيت بخيبة كبيرة، إذ وضعت كل ثقلها فيها باعتبارها جولة لـ «إنهاء وجود الشباب المسلم»، و«شارك كل قادتها، من العرموشي الى المقدح واللينو وأبو عرب، واستخدمت شتى أنواع الأسلحة من دون أن تحقّق أي تقدّم. سقط لهم باعترافهم ٥٥ جريحاً وفرّ أكثر من ٦٠ عنصرا إلى خارج المخيم»، فيما «لم يسقط للشباب المسلم أي شهيد، ولم نستخدم الأسلحة المتوافرة لدينا». وقد توفي لاحقاً أحد جرحى الشباب المسلم الملقب بـ«أبو إسحاق البرناوي»، وكان انغماسياً أُصيب في صدره، وهو من حيّ التعمير. وتؤكد مصادر المجموعات التي شاركت في المعركة أن أيّاً من «جماعة الأسير أو الكتائب (عبدالله عزام) أو الشيخ (اسامة) الشهابي أو حتى بلال بدر أو الناشط الإسلامي رامي ورد قد شاركت». وتشير إلى أن «قصف فتح كان عشوائياً، وكانت صواريخ ١٠٧ حاضرة لهم، ولو استخدمنا الهاون ضد البركسات لكانت فاجعة لهم، لكن حرصاً على المدينة تراجعنا». وتختم المصادر بأن «هدف المعركة دفع الصائل ولم تكن هناك نية للاقتحام بل جرى ردهم وإرجاعهم، لكن الجولة المقبلة ستُدميهم». أما عن دور باقي الفصائل في المواجهة أو التهدئة، فترد مصادر «الشباب المسلم» بأن «حماس لا دور لها، إنما همها قطف الثمار».
وفيما يجمع قادة فتح على أن المجموعات المتطرفة تسعى لضرب أمن المخيم، يرى قادة من «الشباب المسلم» أن «عدم الهدوء في المخيم أمرٌ يخطط له بعض قادة فتح». ويستدل هؤلاء بشرارة المعركة الأخيرة، مشيرين الى أن «كاميرات المراقبة أظهرت كذب العرموشي، إذ تبين أن مرافقيه هم من بدأوا بإطلاق النار في حطين». ويُردف القيادي الإسلامي قائلاً: «حتى من دون كاميرات، كيف يُعقل أن تنفذ محاولة اغتيال العرموشي بمسدس ومعه عشرات المرافقين المسلحين». أما لماذا افتعلوا ذلك، فيجيب: «الهدف هو التسويق لما يسمّونه محاربة الإرهاب. فهو يدر المال والرُتب عليهم، ويجلب التمويل ويلمّ شملهم». وفي رواية أخرى، بحسب مصادر “الشباب المسلم”، فإن العرموشي تعمد المرور في حيّ حطين، أحد معاقلهم، برفقة مسلحين يفوق عددهم الأربعين. وقالت المصادر إنه لم يكن هناك كمين مُعَدّ سلفاً، بل إن إطلاق النار عليه كان “ردة فعل من صديق للقتيل محمود عمر الذي يتهم “الشباب” مرافقي العرموشي بقتله”.