IMLebanon

«عين الحلوة»: جبهات قتال إجتماعية وسياسية وأمنية مفتوحة

بغَضّ النظر عن الجهة التي تقف وراء قتلِ سامر حميد، فإنّ جولة العنف الأخيرة داخل مخيّم عين الحلوة، والتي ازدادت عنفاً أمس على رغم مساعي التهدئة ومحاولات الجهات الفلسطينية التقليلَ من أهمّية ما يَحدث، تكشف مجدّداً عن أنّ أزمة أمنِ هذا المخيّم، لا تزال بلا حلّ، ما يُعيد إلى التداول قضية البحث عن حلول لهذا الملفّ الذي لا يُهدّد أمنَ اللاجئين فيه فقط، بل أيضاً مجملَ معادلة الأمن اللبنانية.

تكشفُ «الجمهورية» في هذا السياق عن جملة تطوّرات ذات صلة بأبعاد جولة العنف الراهنة في عين الحلوة، وبما سبَقها لجهة محاولات البحث عن حلول لملفّ أمن المخيم.

أبرزُ فكرة طرِحت داخل هذا الملف أخيراً، تَمثّلت في إنشاء «جدار حماية» حول المخيّم لضمان إبقائه تحت مراقبة أمنية تَمنع حركة دخول إرهابيين وخروجهم منه وإليه.

ويلاحَظ أنّ بناء الجدار طرِح إثرَ توقيف الجيش اللبناني أمير «داعش» في المخيّم عماد ياسين، ما قاد إلى الاستنتاج أنّ المعلومات التي أدلى بها أقنَعت المستوى الأمني اللبناني بأنّ المخيّم مفتوح أمام حركة الإرهابيين، وأنّ حواجز الجيش الأربعة عند مداخله غير كافية لمنعِ هذه الحركة، نظراً لوجود مساحات شاسعة حوله مفتوحة، وخصوصاً منطقة البساتين.

ومع ذلك، تمَّ العدول عن الجدار، لأسباب سياسية ذات صلة بأنّه سيُعطي انطباعاً في العالمين العربي والدولي، يقيم تشبيهاً بينه وبين جدارات الفصل العنصرية، وخصوصاً تلك التي تُنشئها إسرائيل في الضفّة الغربية وغزّة.

يضاف إلى ذلك، سبب أمنيّ مفادُه أنّ الجدار سيُسهم في تقويةِ المتطرفين داخل المخيّم في وجه الفصائل الإسلامية والوطنية المصنّفة بأنّها معتدلة، فالجدار سيُشعِر فلسطينيّي المخيّم بالعزلة والإحباط، وهذه عوامل تغذّي خطابَ المجموعات السَلفية الجهادية، وتجعلها أكثرَ قدرةً على استقطاب مناخ المخيّم، وجَرّه إلى التطرّف.

وفي معلومات لـ«الجمهورية» أنّ فكرة إنشاء «الجدار»، تعود إلى العام 2010، وآنذاك وضَع فرع مخابرات الجيش في الجنوب تصميماً له، و أُخِذ رأيُ المراجع السياسية اللبنانية قبل إعلان البدء به، ولكنّ مجملَ هذه المراجع اعترضَت عليه حينها، لأنه سيُفضي الى مردودات عكسية أمنياً وسيسيء إلى سمعة لبنان في الخارج.

هذه المرّة كان ضمن أهداف طرح فكرة إنشاء الجدار، التهويل على فصائل المخيّم لحضّها على التعاون جدّياً مع السلطة اللبنانية لتسليمها المطلوبين الأخطر فيه.

ولكنّ الأوساط الفلسطينية التي وُجّهت لها هذه الرسالة ردّت عليها بنوع من الحملة السياسية والإعلامية المضادّة، اشتَملت على رفعِ سفارة فلسطين في بيروت مذكّرةً إلى الجهات اللبنانية الرسمية المعنية تَعتبر فيها أنّ هناك افتعالاً وتضخيماً من جانب لبنان وإعلامه، لخطورة الوضع الأمني في المخيّم، وأنّ الطرف التكفيري في داخله ليس قوّة وازنة، بل مجرّد وجود هامشي.

وثمّنَت المذكّرة حالة التعاون والتنسيق بين الفصائل الفلسطينية في المخيّم وبين أجهزة الأمن اللبنانية، واعتبرَت أنّ الفصائل تُقدّم كلّ ما هو مطلوب منها على هذا الصعيد. كذلك عمَّمت جهة فلسطينية مسؤولة على أجواء مؤثّرة لبنانية وفلسطينية، دراسةً تتحدّث عن مظلومية يعاني منها فلسطينيو المخيّم الذي بات يتحمّل جزءاً من أزمة النزوح السوري.

غير أنّ جولةَ العنف الأخيرة في المخيّم، أظهرَت أنّ أزمة الأمن فيه بكلّ أبعادها الفلسطينية الداخلية، واللبنانية خارجه، لا تزال تشكّل مبعثَ قلقٍ حقيقياً وليس مفتعلاً. وبحسب متابعين فإنّ وقائعَ عملية قتلِ سامر نجمة والتبعات الأمنية التي أسفرت عنها تقدّم إشارات مستجدّة في ملف أزمة أمن المخيّم:

ـ الأولى، تتعلّق بأنّ نجمة كان عنصراً متفرّغاً في حركة «فتح»، ولكنّه عقائدياً كان ناشطاً في «عصبة الأنصار»، ما يسلّط الضوءَ على حالة الازدواجية العقائدية التي يمثّلها نموذجُه، الأمر الذي يشير إلى إمكانية أنّ التنظيمات المتّصفة بأنّها وطنية وشِبه علمانية (كحركة «فتح» وغيرها) بات نشطاء سَلفيون يستخدمونها عباءةً للاختباء تحتها. وربّما هذا يعطي سبباً إضافياً لصيرورة «فتح» أقلّ قدرةً على بسطِ نفوذِها ضمن معادلة الأمن في المخيّم في وجهِ المجموعات المتطرّفة.

ـ الثانية، تتّصل ببروز ظاهرة المجتمع المدني داخل المخيّم الذي يُعبّر عن نفسه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو رأيٌ عامّ محتَجّ على سلوك الفصائل وعدمِ قدرتِها على منعِ تجدّدِ جولات الاقتتال بين مسلّحي المخيّم. لقد أبرزَت صفحات التواصل الاجتماعي من داخل المخيّم، في مناسبة جولة العنف الأخيرة، سخطاً شعبياً، آخذاً في التبَلورِ، على فصائل المخيّم بكلّ تنوّعاتِها الحزبية، وتضمّنت دعواتٍ إلى الخروج في تظاهرات ضدّها.

عام 2012 برَزت هذه الظاهرة التي هدّدت باندلاع «ثورة فايسبوك» في عين الحلوة ضدّ النظام الأمني والسياسي الفلسطيني فيه، والآن تتكرّر هذه الظاهرة على نحوٍ أكبر. فهل يذهب مجتمع اللجوء المدني في عين الحلوة إلى انتفاضة ضدّ لا مسؤولية فصائله؟

وما هي التبعات التي ستطاول الدولةَ اللبنانية نتيجةَ حدوث تطوّرٍ كهذا داخل المخيم، خصوصاً في حال اتّسَعت لتشملَ المخيّمات الأخرى، ما يؤهّلها لتصبحَ ثورةً فلسطينية اجتماعية في لبنان؟

ـ أمّا الإشارة الثالثة التي حَملها العنف الأخير في المخيّم، فإنّها تسلّط الضوء على أنّه بالإضافة إلى الاقتتال السياسي فيه، يوجد أيضاً بُعدٌ اجتماعيّ أو جهويّ أو عشائري للاقتتال، ذلك أنّ مشهدَ العنف الأخير تضمّنَ بداخله احتراباً بين أهالي تنتمي جذورهم لبلدة الصفصاف في الجليل الفلسطيني ضدّ لاجئين من بلدة أخرى.

عين الحلوة هو صورة مصغّرة عن ديموغرافيا الجليل الفلسطيني، وكلّ حيّ فيه يَقطنه أهالي بلدة محدّدة، وعليه فإنّ الاقتتال على أساس بلديّ فيه يَرسم تماساً اجتماعياً للتوتّر، إضافةً إلى التماس السياسي والأمني.