انقضت عشر جولات من الحوار بينهما، من غير ان يبرر تيار المستقبل وحزب الله اعجوبة استمراره سوى تنفيس الاحتقان. باتا يختلفان على كل شيء تقريباً في الداخل والخارج، ويتصرفان وفق معادلة: رؤوس حامية تساوي اقداما باردة
رغم قلقه من نبرة التصعيد المتبادل بين تيار المستقبل وحزب الله بازاء احداث اليمن والنزاع السعودي ــــ الايراني، لا يزال رئيس مجلس النواب نبيه بري يتمسّك بقشة الحوار الدائر بين الطرفين، ويجزم بثباته واستمراره. بانقضاء الجلسة العاشرة منه، ثبّت يقينه بأن كلا منهما لا يسعه التخلي عن الحوار، وقال امام زواره: «سيظل الحوار قائماً، ونحن نبصر كل ما يجري من حولنا لا يسعنا الا ان نمشي مع الحائط ونقول يا رب السترة».
مع ذلك، لا يخفي بري عدم ارتياحه الى الطرفين يرفعان، جولة بعد اخرى من الحوار، لهجة التصعيد والاتهامات والتشهير المتبادل. يجيب محدثيه ان تراكم الحملات يبرّر التوجس، خصوصا وان ثمة افرقاء عن يمين تيار المستقبل، وفي صفوفه بالذات، يحضّون على وقف الحوار فوراً والتحريض عليه. على ان مصدر اطمئنانه يكمن في اصرار كل من الرئيس سعد الحريري والامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ــــ وهما في قلب الحملات تلك ــــ على استمرار الجلوس الى طاولة واحدة.
على طرف نقيض من قلق رئيس المجلس، يستخلص متصلون بسفراء عواصم غربية بارزة بضع ملاحظات عن تقويمهم لحوار تيار المستقبل وحزب الله:
اولاها، اطراء التواصل بين الفريقين ما دام يبقي لبنان خارج احتدام النزاع الاقليمي، ويحيد به عنه. ورغم ارتفاع نبرة التصعيد بينهما في الاسابيع الاخيرة، الا ان المهم في ما يفعلان ويثابران عليه: لا يزالان يتحدثان، ويجلسان وجهاً لوجه، ويحترمان مواعيد الجولات ومستوى التمثيل فيها وجدول الاعمال. لم يتسبّبا بعد، تحت وطأة اتساع انقسام موقفيهما من النزاع اليمني والعداء السعودي ــــ الايراني، بتعطيل اي من جولات الحوار او عرقلتها، او توقفهما عنها، او الخروج بعدها بموقف معلن يهدد دوام هذا الحوار.
الحريري ونصرالله مصران رغم الحملات على استمرار الجلوس الى طاولة واحدة
ثانيها، ان من غير المتوقع انبثاق عناصر تسوية بين المتحاورين، او الذهاب الى ابعد من التواصل الآني في مواكبة الغليان الاقليمي. لا يتعدى جدول اعمالهما الخوض في الشق الامني حصراً، والتركيز على الاستقرار الداخلي والحؤول دون اي عامل لتفلته، ومحاولة اقتراب احدهما من الآخر من تعريف مشترك للارهاب الذي يجبهه لبنان بغية التوصل الى تصوّر مشترك لمواجهته. وقد لا يكون المطلوب منهما سوى ذلك في المرحلة الحاضرة.
يلاحظ السفراء ايضا ان الطموحات التي يبديها الطرفان من حوارهما متواضعة، وربما اكثر مما يجب. منذ الجولة الاولى في كانون الاول الماضي، لم يخرج تيار المستقبل وحزب الله سوى بتفاهمهما على تنفيس الاحتقان ومناقشة خطط امنية في البقاع الشمالي وبيروت، ورفع الغطاء عن اي مخل او مرتكب، وسبل تسهيل عمل حكومة الرئيس تمام سلام.
ثالثها، من المبالغ به الاعتقاد بأن الفريقين سيخوضان في انتخابات رئاسة الجمهورية كما يوحيان. بل يبدو الاستحقاق هو سقف ما يتداولانه، وكل منهما يعرف انه لا يسعه التفرّد بقرار الرئاسة، ولا الاثنان معا كذلك، من دون وجود الشريك المسيحي اولا، والظرف الاقليمي الملائم للبحث جديا في انتخاب الرئيس ثانيا.
يكشف السفراء ايضا عن ان الاستحقاق لم يعد في رأس سلم احاديثهم مع الزعماء والافرقاء اللبنانيين، ويكتفون في معظم الاحيان بالتركيز على الاستقرار الداخلي وتضامن حكومة سلام واستمرارها كممثل للشرعية اللبنانية في غياب رئيس الدولة.
رابعها، ان حوار تيار المستقبل وحزب الله يرسل اشارات متناقضة في وقت واحد: يحاور قادة الطرفين برؤوس حامية، وكل منهما يتصرّف على انه ليس محايدا حيال ما يجري في المنطقة بازاء الصراع الايراني ــــ السعودي، بل منخرط في حملة حليفه الاقليمي، فيما الارض تحت اقدامه هادئة وقادرة من خلال طاولة الحوار على منع اي زعزعة للاستقرار، او اضطراب ينجم عن الاشتباك الاقليمي.
بات الاستقرار يطبع حكومة سلام اكثر من اي وقت مضى، ويضعها في منأى عن انقسام الطرفين الرئيسيين فيها حيال احداث اليمن. ما ان يصبح الوزراء خارج مجلس الوزراء حتى يعود كل منهم الى سربه في الخيار الاقليمي، ويطلق العنان له في مواجهة الفريق الآخر. على نحو مماثل، تمكنت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من امرار السنتين الاوليين من الحرب السورية عامي 2011 و2012 بحد ادنى من الاضرار، بالتزام وزرائها سياسة النأي بالنفس الى طاولة مجلس الوزراء، والتفلت منها خارجه.
خامسها، بين السفراء الغربيين مَن يعتقد بأن الإشتباك السياسي الداخلي بين تيار المستقبل وحزب الله لا يتعدّى كونه تضامناً مع الحليف الاقليمي لكل منهما حيال حرب اليمن منذ اطلاق «عاصفة الحزم». بل يلاحظ هؤلاء ان لا مبرر لخلاف لبناني ــــ لبناني على بلاد بعيدة من لبنان، ولا قواسم في التاريخ والجغرافيا والاجتماع والسياسة تجمعه بها. ليست اليمن مصر الخمسينات والستينات في حساب اللبنانيين، ولا فلسطينيي الستينات والسبعينات، ولا السوريين والاسرائيليين في العقود التالية حتى الامس القريب، كي يختلفوا عليها في الداخل ويتسببوا ــــ كما من قبل ــــ بانفجار البلد وذهابه الى حروب اهلية.