IMLebanon

حوار عين التينة: إذا لم ينفع.. فلن يضرّ

فعلياً، كانت المرّة الأولى التي يخرج فيها السيد حسن نصر الله عن ديبلوماسيته في التعاطي مع السعودية فيصوّب النار وبشكل مباشر على القلب، على آل سعود تحديداً. إذ لطالما دوّر زوايا مفرداته ولطّف عباراته وتناولها في بعض المرات ولكن من دوّن أن يسمّيها، لاعتبارات كثيرة تطال بشكل خاص الداخل اللبناني.. الممسوك وغير المتماسك.

ولذا كانت ردّة فعل «المستقبليين» ضمن المتوقع، طالما أنّ المستهدَف هو «الوصيّ الإقليمي» بعدما كشفت حرب اليمن الرماد عن الجمر، ونُفخت النار. فكان من الطبيعي أن تثور ثائرة سعد الحريري وأن يتجنّد كل ضباطه في رجم المواقف الآتية من جانب الخصوم. وكان من المتوقع أنّ تشتعل المنابر الداخلية على كل المستويات.

وحتى لما هدأت بعض الشيء بين «الكبار»، استعرت نيرانها بين «الصغار». إذ تكفي جولة صغيرة على مواقع التواصل الاجتماعي لتلمّس حجم العراك الطائفي الحاصل على جدران «الفايسبوك» وفي تغريدات الفضاء الافتراضي. هناك تُقال الأمور من دون أي تكلف او احترام للآخر ومعتقداته السياسية والمذهبية.

وحدها طاولة الحوار في ضيافة الرئيس نبيه بري لا تزال محيّدة عن الاشتباك الكلامي الحاصل. وفق السياق الاقتتالي الحاصل والذي هدم كل «دُشم الهدنات» القائمة بين الفريقين منذ التقائهما في حكومة تمام سلام، كان من المنتظر أن تكون مائدة الرئيس بري التهدوية ضمن الأخضر واليابس الذي أكلهما القصف المنبري.

لكنها لا تزال صامدة. هنا الاستثناء. يصرّ رئيس المجلس على إحياء هذه الجلسة السداسية رغم كل ما يفرّق بين الطرفين. وهذا ليس بقليل. في البداية كانت الحرب السورية ومشاركة «حزب الله» في القتال السوري ووجهة السلاح هي «الهوّات» التي تبعد بين الضاحية الجنوبية وبيت الوسط. اليوم انضمّت الوحول اليمنية الى ما سبقها من قضايا خلافية، لا بل زادت الطين بلّة حين وضعت الضاحية في مواجهة الرياض مباشرة.. من دون وسيط.

هذا لا يعني أنّ «أبا مصطفى» أرغم الفريقين على مجاراته في مساعيه التقريبية ولا يعني أبداً أنّ جلوسهما مخالف لقناعتهما، حتى لو انبرى بعض نواب «المستقبل» في رذل الحوار والدعوة الى إيقافه وقطع شرايينه.

لكنّ قرار سعد الحريري واضح لا لبس فيه، أعلن عنه بصريح العبارة: نعم للحوار.. أسوة بقرار «حزب الله» الذي أكده نصرالله خلال خطابه الأخير. هذا يعني، وفق بعض المتابعين، أنّ الفريقين مقتنعان بضرورة صيانة هذه القناة وحمايتها من أي قصف عشوائي أو مركز.

لماذا؟ وفق المتابعين، فإنّ مصلحة «حزب الله» كما «تيار المستقبل» هي في الحفاظ على هذا المربّع وتحييده عن بقعة الزيت المتوترة. هو أشبه بصمام أمان قادر على الإمساك بزمام الأمور ومنع تفجّرها، ذلك لأن الفريقين لا يريدان أن يتجاوزا حافة الهاوية والوقوع في شرك الفتنة، ولهذا يُصرّان على صون هذه المائدة حتى لو بدت الأرض من حولها مشتعلة.

وإذا ما أسقطنا الإنجازات الأمنية من حسابات الربح والخسارة التي حققتها الطاولة، فإنّ أهمّ ما يمكن لها أن تحققه، حسب المتابعين، هو ترك مساحة مشتركة قادرة على امتصاص مفاعيل النزاع السياسي وإمكان انتقاله الى هذا الشارع متخطياً كل الخطوط الحمراء. وهذا ما لا يريده الفريقان بدليل حفاظهما على الخط الحواري حتى لو لم يكن مرغوباً به شعبياً.

فالبيان الختامي لهذه الجلسات المسائية، ولو كان من باب «التنظير اللغوي» والقفز فوق ألغام الكلمات والتعابير، يكاد يوازي أهمية كل النقاشات الحاصلة بين الشخصيات الست في ضيافة الرئيس بري ومشاركة ممثله علي حسن خليل. بمعنى أن لا حاجة هنا للإبحار في عمق المشاورات الثنائية بحثاً عن القضايا التي يقوم الفريقان في معالجتها، لأنّ مجرد الجلوس وجهاً لوجه هو إنجاز بحدّ ذاته يتفوق على كل إنجازات هذا الحوار.

وقد تكوّنت هذه القناعة منذ أن دخلت الحرب السورية في نفق الاستنزاف الطويل الذي أسقط كل الرهانات على إمكانية وضع حد لها، سواء أكان ذلك لمصلحة النظام أم المعارضة. إذ بات الفريقان اللبنانيان مقتنعَين أنّ قطع كل حبال التواصل بينهما بسبب الحرب اليمنية هو ضرب انتحار، لا سيّما إذا ما لجأ اليمنيون الى الحوار وسَوّوا أوضاعهم على هذا الأساس.

ويبدو عملياً أنّ دعوات الدول الإقليمية، لا سيّما النافذة منها، الى الاستعانة بالحلّ السياسي لحلّ الأزمة اليمنية، قد تدفع بهذا الاتجاه. وبالتالي لماذا إغراق منطقة الطريق الجديدة باشتباك فتنوي طائفي مع منطقة الشياح إذا كان أهل اليمن قد يستعينون بالحوار؟

هكذا يمكن لطاولة الحوار اللبنانية أن تكون بمثابة «مقاعد الاحتياط» بانتظار بعض الهدوء في المنطقة، فيتفوّق حينها الجوهر.. على الصورة.