كان انشتاين يقول عن التجارب ان تكرار الشيء نفسه، وتوقع الحصول على نتائج مختلفة هو جنون مطبق. وليس من الضروري ولا من المرغوب فيه أن ينطبق هذا على المشهد الصدامي في حراك المجتمع المدني والمشهد الحواري الذي دعا اليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري. لكن الحوار من حول الطاولة هو، مثل الحراك في الشارع، مسار رأيناه من قبل، وبقيت قضايا البلد والناس في حاجة الى قرار. والذاكرة لا تزال طريّة حول ما حدث من دون أن يقود الى ما أريد له أن يحدث. من اصطدام الجهود التي قامت بها هيئة التنسيق النقابية والآمال التي بنيت على الطابع المدني لحراكها بجدار التركيبة السياسية – المالية الى تنصّل حزب الله علناً وسواه سرّاً من اعلان بعبدا الذي كان قمة حوار في القصر الجمهوري بعد حوار في المجلس النيابي عام ٢٠٠٦.
ذلك ان المدعوين الى الحوار في ساحة النجمة يوم ٩ أيلول بمبادرة من رئيس المجلس هم أنفسهم تقريباً الذين شاركوا في حوار المجلس خلال الفراغ الرئاسي، ثم في حوار القصر الجمهوري. وهم ممثلون في المجلس النيابي بكتل كبيرة أو صغيرة. ومعظمهم ممثل في حكومة الرئيس تمام سلام التي تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة. وهم يقومون بحوارات ثنائية على طريقة رقصة التانغو.
لكن الطريق الى الانتخاب الرئاسي مغلق. والمجلس النيابي معطل. ومجلس الوزراء محكوم بأن يعالج الفشل والتقصير والخلاف على آلية اتخاذ القرار بتعذر اتخاذ القرار وأخذ اجازة من الجلسات. وليس من السهل توقع ان يفعل المدعوون الى حوار جامع ما لم يفعلوه في المؤسسة الدائمة للحوار وهي المجلس النيابي، وفي مركز القرار وهو مجلس الوزراء، وفي الحوارات الثنائية. فلا شيء تبدل في المواقف من ملء الشغور الرئاسي خلال ٢٨ جلسة. ولا شيء يوحي أن لبننة الانتخاب الرئاسي لها فرصة، بعدما اعترف صاحب المبادرة الحوارية بأن انتخاب الرئيس خرج من أيدي اللبنانيين وصار قضية اقليمية ودولية بامتياز.
والسؤال هو: ما الذي يبحث فيه المتحاورون عند طرح البند الأول على جدول الأعمال: رئاسة الجمهورية؟ انتظار حوار بين ايران والسعودية؟ وما الذي يضمن حدوث الحوار ثم نجاحه ووصول الدور الى لبنان بعد اليمن والعراق وسوريا؟ وهل الوقت هو الذي منع المجلس النيابي على مدى سنوات من انتاج قانون انتخاب حسب النظام النسبي أم الرفض الحقيقي لفتح نافذة ولو صغيرة في جدار النظام؟
ومع ذلك، فاننا في حاجة الى شراء أمل، ولو لتقطيع الوقت. أمل في حراك الشارع، وأمل في حوار الشرعية.