«المستقبل» يسعى لـ«فصل المسارَين»
إمّا أن تكون رئاسة وقانون انتخابات.. أو لا تكون
لا حاجة لمن يخبر الناس أنّ الجلسات الماراتونية للجنة التواصل النيابية، في ضيافة الرئيس نبيه بري، ليست سوى طبخة بحص. سواء كثر الطباخون أو ندروا، أو استحضروا مكونات جديدة، أم أنّهم اكتفوا بالموجود، ليجودوا به أمام الرأي العام.
في كل الحالات، لن يكون بمقدور اللجنة ابتكار صيغة عجائبية ترضي كل القوى السياسية المتضاربة المصالح، تقضي على «قانون الستين» وتحيله إلى حكم التاريخ. فالاتفاق على قانون انتخابي جديد يعني التوافق المسبق على قياسات حلبة المصارعة النيابية داخل صناديق الاقتراع، وتالياً على شكل السلطة التي سينتجها القانون ويمنحها عصا الأغلبية النيابية.
لن يكون سهلاً على القوى السياسية التي حقنها القانون الحالي بمقويات نيابية، أن تتخلى عما صار مكسباً لها. كما لن يكون مقبولاً بالنسبة للقوى الأخرى أن توافق مرة جديدة على تقديم رقبتها للذبح لتتخلى مرة جديدة عن ورقة الأغلبية النيابية.
وهكذا يفترض أن يكون القانون الانتخابي الجديد نتيجة صفقة كبيرة، تستدعي تنازلات من فريق ما يتخلى، طوعياً أو قسرياً، عما يعتبرها حقوقاً أو مكتسبات، تذهب لمصلحة الفريق الآخر… وإلا فإنّ الدوران في الحلقة المقفلة، سيظل قائماً.
ومع ذلك، يحاول «أبو مصطفى» تدوير الزوايا، ليس على طاولة لجنة التواصل، وإنمّا على موائد القرار. وفي قرارة نفسه، ثمة قناعة راسخة بأنّ التسوية بين اللبنانيين ممر إلزامي لا يمكن لأي منهم تجاوزه مهما طال زمن الصراع، ولهذا فإنّ المسألة تستحق المحاولة.
يقول أحد المتابعين لهذا الملف، إنّ ثمة كلاماً جدياً حول قانون الانتخابات، يتعدى ذلك الذي يُقال في اجتماعات لجنة التواصل، لأنّ المشاورات الجدية تحصل من خلف الكاميرات والميكروفونات، وتتمّ على مسارين: الاستحقاق الرئاسي، وقانون الانتخابات.
طبعاً، صار جلياً أنّ العماد ميشال عون هو أكثر المتحمسين لنفض قانون الانتخابات، لقناعته بأنّها الفرصة الذهبية كي يتخلص المسيحيون من «سكين» قانون الستين وينجوا من أحكامه العرفية، وإلا فإنّهم سيتوارثون دفع الأثمان من جيل إلى آخر. ولهذا لا بدّ بنظره من اقتناص المناسبة.
هكذا رفع الجنرال السقف إلى حدوده القصوى، من خلال تبني اقتراح «اللقاء الأرثوذكسي»، وهو يدرك سلفاً أّنّ هذه الصيغة لن ترى النور بسبب الاعتراض الفاقع الذي يواجهها، لكنها تسمح بالحصول على ما هو أفضل من «قانون الستين»، وبالتالي تحسين شروط التفاوض.
بهذا المعنى، يحاول رئيس المجلس أنّ يروج لـ«بضاعته» القائمة على أساس المناصفة بين النظام النسبي والأكثري بشكل عادل، أي 64 مقعداً بـ64 مقعداً، فيما يحاول «تيار المستقبل»، وهو أكثر المتشددين تمسكاً بالقانون الحالي، الهروب من زركه في «خانة اليك» من خلال تقديم اقتراح الـ60 بـ68 مقعداً.
عملياً، هناك من يقترح الدمج بين مسألتَي الرئاسة وقانون الانتخابات، من خلال العمل على صياغة رزمة توافقات، تأتي برئيس أولاً يخلف ميشال سليمان، وبقانون انتخابي ثانياً ينقذ المسيحيين من براثن «قانون الستين».
أول المتحمسين لهذا المسار، هو رئيس المجلس، لاعتقاده أنّ في الاقتراح الذي يرفعه النائب علي بزي، بذور توافق قد يسمح بتحوله إلى قانون نافذ إذا ما تأمنّت له أغلبية نيابية تصوّت إلى جانبه، وتحرج بقية القوى، وتحديداً قوى «14 آذار»، وتدفعها إلى التقدم خطوة إلى الأمام، للقبول به.
هنا يتردد، أنّ بري يدلل بالإصبع أمام من يسأله عن حيثيات التفاؤل الذي يدفعه إلى السير بهذ المشروع، إلى وليد جنبلاط. ويقول علناً إنّ جنبلاط مستعد للبصم على المشروع إذا كان من ضمن سلّة توافقات شاملة تفضي إلى عودة الروح إلى المؤسسات الدستورية، مع أنّ «الحزب التقدمي الاشتراكي» سبق له أن قدم موافقته على اقتراح «المستقبل» ــ «القوات».
في موازاة ذلك، يتمّ التشاور مع الجنرال عون، لتشجيعه على هذا الاقتراح، الذي يبدو أنّه لا يواجه رفضاً كلياً في الرابية، وإنما تتمّ مناقشته بهدوء بعيداً عن الضجيج الإعلامي. ولكن يفترض أن تكون الموافقة البرتقالية مقرونة باتفاق مواز، يشمل رئاسة الجمهورية أيضاً.
الشرط ذاته يسري أيضاً على «تيار المستقبل» الذي سارع إلى رفع راية الحوار مع «حزب الله» من باب السعي إلى الاتفاق على رئيس جديد للجمهورية. لكن يبدو، وفق المداولات المكتومة، أنّ الفريق الأزرق يقاوم «النهج الثنائي»، ويعارض المزاوجة بين رئاسة الجمهورية وقانون الانتخابات، لا بل يفضل فصل المسارَين، من خلال إحداث خرق في جدار الرئاسة، وترك القانون النيابي معلقاً، على اعتبار أنّ أي اتفاق في هذا المجال سيكون على أساس تنازل يجب أن يقدمه الحريريون.. وهذا ما يتجنبون القيام به.
حتى الآن، يفضل «تيار المستقبل» أن يحقق تقدماً في مسار الرئاسة الأولى للاتفاق على رئيس تسووي، لا يخرجهم من الحلبة خاسرين، على أن يترك النقاش حول قانون الانتخابات معلقاً.. إلى حين يخلق الله ما لا يعلمون.
في حين أنّ مسيحيي «8 آذار»، ومن بينهم ميشال عون، يضغطون على المسارَين معاً، وفق معادلة: إما سلة رئاسة وقانون انتخابي.. وإما الشغور.