وصف وزير الداخلية نهاد المشنوق الوضع الحالي في لبنان بأنه «القلق الذي ينتظر مفاجأة ما»، سواء كان عملا أم
نيا من التنظيمات التكفيرية، أو سياسيا حال وقوع خلاف عميق أو شديد بين الأطراف السياسية. وأكد، في حواره مع الـ»المصري اليوم»، أن ظهور الجماعات الراديكالية والمتعاطفين مع «داعش» في المنطقة- جاء نتيجة الإحساس بالقهر، والظلم الذي يتعرض له أهل السنة في لبنان والعراق وسوريا. وطالب «المشنوق» مصر بالعودة إلى ممارسة دورها الإقليمي، وعدم التقوقع داخل حدودها، لتحقق التوازن في مواجهة النفوذ الإيراني والتركي والإسرائيلي في المنطقة، لافتا إلى أن لبنان وبلاد المشرق العربى تحتاج إلى التوازن في المنطقة، الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بقدرة مصر على استعادة دورها القديم ودورها الخارجي أيضا، وإلى نص الحوار: استهل الحوار مع المشنوق بسؤال عن «التحديات التي تواجهكم»، فاشار الى اننا «نتصرف دائماً
على أساس أننا بوضع «القلق الذي ينتظر مفاجأة ما» سواء كانت سلبية، مثل قيام التنظيمات التكفيرية بأي عمل أمني، أو سياسية إذا وقع خلاف عميق أو شديد الوقع بين الأطراف السياسية، فهذا هو الوضع العام في لبنان، منضبط سياسيا ومضبوط أمنيا، وهذا هو الحد الأقصى الذي استطاعت حكومة الائتلاف الحالية أن تصل إليه.
تسويق الاعتدال
ورداً على سؤال، لفت الى «ان ما نحتاجه في هذه المرحلة هو تطوير الاعتدال وتطوير القدرة على تسويق الاعتدال وشجاعة الاعتدال ومواجهة الاعتدال للتطرف، وهذا الوضع أحسن من يستطيع التعبير عنه في مصر والعالم الإسلامى هو الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، لأنه في أصعب الأيام استطاع شيخ الأزهر منفردا أن يجمع حوله العديد من المصريين من مختلف القوى السياسية، وأن يصدر نحو 500 فتوى في حقوق المرأة والنظام الديمقراطي والاعتدال والوسطية، وكان هذا له تأثير كبير في العالم العربي». وقال: (…) نحن في لبنان وجميع بلاد المشرق العربى نحتاج إلى التوازن في المنطقة الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بقدرة مصر على استعادة دورها القديم واستعادة دورها الخارجي وتحقيق النجاحات(…)».
لتماسك سياسي وامني
وعن مقومات المواجهة لدول المنطقة في هذه المرحلة، قال المشنوق: «المواجهة الحالية في الوطن العربي تحتاج إلى 3 أشياء رئيسية، هي تماسك سياسي، وضبط أمني، وشجاعة في الاعتدال الديني، ولا بد من توافرها معا، فضلا عن أن الدول العربية الصغيرة تشعر بالحاجة إلى مصر، خصوصا أن كل التجارب السابقة لم تحقق التوازن في المنطقة، وأنه لا بديل عن الدور المصري من أجل إقامة التوازن في المنطقة، حتى يتسنى مواجهة الأمراض والمشاكل التي بدأت تنهش جسدنا من الداخل، فإذا كانت السياسة الإيرانية أو التركية أو الإسرائيلية هي جزء من السياسات التي تحقق الانقسام بالمجتمعات العربية، فهم يبحثون عن مصالحهم، لكن ماذا نفعل نحن لتحقيق مصالحنا؟ وعن حجم التنسيق الأمني والمخابراتى بين مصر ولبنان، قال: «كبير وقديم على مستوى التنسيق والتدريب وشعبة المعلومات اللبنانية، وخلال فترة ليست بعيدة تمكنت من كشف 34 شبكة إسرائيلية للتجسس في لبنان، وكان الفضل الكبير في ذلك للتدريب الذي تلقاه الضباط والعناصر اللبنانية من المخابرات العامة المصرية، في مسألة القدرة على التتبع والتعقب لعملاء اسرائيل في لبنان، وكذلك نجحوا في سوريا، فقد سلمنا قبل ذلك معلومات عن 16 شبكة تجسس إسرائيلية داخل سوريا من لبنان، بعد أن تمكنا من تتبع وكشف أسماء ومصادر وجهات داخل سوريا متورطة في العملية(…)».
تنسيق وتدريب
واشار المشنوق «الى ان الجانب المصري عرض علينا أن الباب مفتوح لكل أشكال التنسيق والتدريب والمعرفة في كل المجالات، في موضوع السلاح ذهبنا إلى الهيئة العربية للتصنيع ووجدنا حاجات قليلة مما نفكر فيه، وتبين أن احتياجات قوى الأمن الداخلي اللبناني غالبيتها موجودة في وزارة الإنتاج الحربى، ونتابع حاليا الاتصالات لنرى ما الذي نحتاج إليه، كما سنرسل ضباطا متخصصين ليروا ما الذي يناسبنا من المنتجات المصرية في هذا الخصوص، كما اتفقنا مع وزير الداخلية على تخصيص مقاعد لنا في أكاديمية الشرطة، وتم إبلاغنا بأن الباب أمامنا مفتوح».
واكد «ان هناك تنسيقاً استخباراتياً ومعلوماتياً بين لبنان ومصر لكن نتائجه محدودة حتى الآن، والفترة المقبلة ستشهد مزيدا من التعاون والتنسيق(…)».
ورداً على سؤال، لفت الى «ان هناك عددا محدودا من المتعاطفين مع داعش في لبنان مثل باقي دول المنطقة، وهذا نابع من الإحساس بالقهر، كما حدث في العراق (…) وفي ما يتعلق بسوريا هناك نظام مذهبي لا أحد ينكر ذلك وهذا النظام الذي لم يستطع التفاهم مع فاروق الشرع، نائب الرئيس السوري السابق، لأنه من أهل السنة على رغم أنه أحد رموز النظام البعثي، فكيف سيستطيع أن يحقق العدل ويقوم بمصالحات وتفاهمات سياسية. وفي لبنان شكلت حكومة ائتلافية برئاسة الرئيس سعد الحريرى، الذي كان رئيس الغالبية العظمى، وأكثر من نصف اللبنانيين كانوا يؤيدونه وقتها وكانت النتيجة أنه أقيل ولم يستقل(…)».
وتماسك سياسي وامني
وعن كيفية مواجهة المناطق الساخنة التي تتصاعد فيها الجماعات المتشددة في عرسال وطرابلس وغيرهما قال المشنوق: «المواجهة تحتاج إلى ثلاثة أمور هي تماسك سياسى، وعمل أمني مخطط له بدقة، ومواجهة فكرية بالاعتدال ودعم الدولة، وهذا الأمر تم في عرسال وهي منطقة ساخنة جدا رغم الأوجاع ورغم خلافنا مع بعض المغالاة في استعمال السلطة واعتراضنا عليها استطعنا أن نثبت فكرة الاعتدال، وفي طرابلس حينما حدث الاشتباك بين الجماعات المتطرفة والجيش استطعنا أن نثبت فكرة الدولة، ولكن رغم ذلك لابد من العمل على المدى الطويل من خلال تحقيق العناوين الثلاثة الرئيسية(…)». وعن ضم «حزب الله» وغيره الى الجيش اللبناني، قال المشنوق: «هذا مستحيل حاليا في ظل هذا الصراع الإقليمي أنا أقول إننا نعيش حالة من الهدنة الثابتة والنسبية لا أكثر ولا أقل، ولكن الآن في عز الصراع الإقليمي الراهن غير متاح تحقيق تغيرات جذرية في مواقف الأطراف، والتغير الجذري الوحيد الذي حدث هو الذي قمنا به نحن بإعلان الحريري بأنه لا يوافق على قيام أي مجموعة سورية تنتمي إلى أي معارضة أو كيان معتدل أو متطرف سواء جبهة النصرة أو غيرها بالتدخل في الشأن الداخلي اللبناني أو قيامهم بأي عمليات أمنية داخل لبنان».
ظهور المتطرفين
وعن رؤية لكن بعض التيارات السنية «أن السبب في ظهور الجماعات المتطرفة في لبنان هو تدخل حزب الله في سوريا»، قال: «هذا صحيح وأنا قلت هناك أسباب للقهر والخلاف، وهناك انقسام عمودي في لبنان بشأن مسألة قتال حزب الله داخل سوريا ونحن نطالب في كل مناسبة ولقاء سياسى بخروج حزب الله من سوريا وهي مسألة انقسامية داخل لبنان وتؤسس لصراع طويل الأمد مع أي نظام يقوم في سوريا المستقبل، ولكن السؤال الآن هل نستطيع أن نلغى القرار الإيراني بالتدخل في سوريا للقتال إلى جانب النظام السوري، أنا كنت من المؤيدين للثورة على النظام السوري بعد 25 يوما من انطلاقها وأصدرنا بيانا بهذا الشأن، ولكن هناك أولوية الآن للم الوضع في لبنان لأنه لم يعد باستطاعة لبنان أن يكون مؤثرا في سوريا سواء مع المعارضة أو مع النظام والآن الذي يؤثر فعلا هو الحريق السوري في لبنان الذي بدأ ينتقل إلى لبنان، وعمليا قلنا إن هذا وقت هدنة ونجلس للحوار وربما لا ننجح ولكن علينا أن نحاول لأنه لا خيار أمامنا إلا الحوار وأن نضع نقاط الخلاف ونقاط الاتفاق وهذا يحدث بين أي قوى سياسية في العالم». وعن القول: «أن الوضع الأمني في لبنان على حافة الهاوية وأنه قابل للانفجار في أي لحظة.. رد المشنوق: لا أنا أختلف مع هذا الكلام لأنه لو كان الوضع قابلا للانفجار في أي لحظة لكان حدث الانهيار في أول تطور أمني، وقد حدث تطور أمني كبير في عرسال، وحدث تطور أمني أكبر في طرابلس ولم يحدث الانهيار لأن هناك حدا أدنى من التماسك الداخلي وبقرار إقليمى دولي وهناك تداخلات مع القوى السياسية اللبنانية كلها بأن «تتلم» وتحافظ على البلد بشكل أو بآخر.
النفوذ الايراني
وعن الخطورة التي يشكلها النفوذ الإيراني المتصاعد في المنطقة على أمن لبنان، قال: «إذا كان تصاعد النفوذ الإيراني يشكل خطورة على الاستقرار في مصر فما بالك بلبنان وهي دولة صغيرة، لكن أنا رأيى أن الضرر وقع بالفعل وهو لا يزيد، ولكنه لا يقل أيضا وهناك تعايش الآن يحقق الحد الأدنى من الإمساك بالوضع الأمني والسياسى، ولكن إلى متى يستمر هذا الوضع؟ لا أعلم لأن ذلك مرتبط بالوضع والمشاكل الإقليمية، المهم أن تعود إلينا مصر». واكد المشنوق في ملف العسكريين المخطوفين، ان «المفاوضات لاتزال في بدايتها وأهم شىء استطعنا تحقيقه الآن هو وقف قتل العسكريين وذبحهم، والأمور مازالت مستمرة ولكن في بدايتها ولكن لم نحقق نتائج حتى الآن»
وعما اذا كان هل هناك تنسيق أمني مع النظام السوري، قال: سبق أن كان هناك تنسيق من الناحية الأمنية مع الجانب السوري، وإذا تطلب الأمر تنسيقا بهذه الحدود بين الطرفين الأمنيين فنحن لا نعترض لمحاولة إنقاذ حياة العسكريين.
الدعم السعودي
وعن الدعم السعودى لقوات الجيش والأمن اللبنانية، وانعكاسه ومردوده على الأداء العام خلال الفترة المقبلة، قال المشنوق: «الوحيد من العرب الذي نفذ ما وعد به هو الملك عبدالله، فقد سمعنا كثيرا من الوعود العربية ولم تنفذ، ولكن السعودية فقط خصوصا خلال السنوات الخمس الأخيرة هي الدولة الوحيدة التي تصرفت بمسؤولية تجاه فكرة بناء القوات العسكرية التي تدعم قوة الدولة وسلامة الوضع السياسى والحوار مع كل الأطراف بمسافة واحدة وتصرفت بالمسؤولية التنفيذية وليست النظرية، ومواقف السعودية تجاه اللبنانيين كثيرة ففي أعقاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 2006 ساعدت السعودية كل أبناء الشعب اللبناني بكل أطيافهم وتياراتهم دون تمييز، ولكن للأسف ذاكرة بعض اللبنانيين ضعيفة، كما ساعدت كل المهجرين اللبنانيين وأولهم جمهور «حزب الله»، والآن انتقلوا إلى مرحلة مساعدة الدولة ومؤسساتها العسكرية والتزموا بالهبة الأولى 3 مليارات دولار، ووقعوا مع الفرنسيين لإمدادنا بالأسلحة والمعدات التي نحتاجها والتزموا بالهبة الثانية ومقدارها مليار دولار مقسمة بين قوى الجيش والأمن الداخلي(…)، وهذا الدعم سيكون له تأثير كبير، ولكن نتائجه لن تكون سريعة لأن الاحتياجات كبيرة جدا لأننا لم نتلق طوال 24 سنة الماضية إلا قليل من المساعدات السورية في بناء الجيش الذي يرتبط بأجندة التدخل السوري في لبنان وليس مساعدة لبنان إضافة إلى مساعدات أميركية سنوية على محدوديتها إلا أنها جدية ثم مساعدات الأوروبيين بنسبة أقل ولكن كلها كانت مساعدات بسيطة وأظن أننا نحتاج إلى سنة أو سنة ونصف لوصول الأسلحة الجديدة واستيعابها والتدريب عليها.
ورداً على سؤال، قال المشنوق: «الاقتصاد اللبناني خسر بحسب تقرير البنك الدولى 7 مليارات دولار، بسبب حملة النزوح السوري إلى لبنان منذ بداية الأزمة السورية حتى الآن، كما أننا كقوات عسكرية لا نستطيع أن نطلب من أحد المزيد الآن، خصوصا بعد الإعلان عن الـ4 مليارات دولار الحالية، ولكن الأهم أن نستطيع أن نستوعبهم وندربهم ونستعملهم بشكل سليم».