إجراءات أمنية مشددة في الضاحية.. ونصر الله يرسم «خطوطا» حمراء لقراء مجالس عاشوراء
يديرها عناصر النخبة في «حزب الله» وتشمل «حظرا على تجوال السوريين»
قبيل حلول رأس السنة الهجرية الجديدة، التي تصادف بداية مراسم عاشوراء التي يحييها «حزب الله» باحتفالات يومية، ويختتمها في اليوم العاشر باحتفال مركزي ضخم، حرص الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله على أن يجمع «قراء العزاء»، وهو التعبير الذي يطلق على أشخاص يتلون سيرة الإمام الحسين وتفاصيل واقعة الطف في كربلاء، في موعد واحد لرسم السقوف العليا لخطابهم، خشية تأجيج الخطاب المذهبي في فترة حساسة للحزب الذي يلاقي معارضة سنية متزايدة، على خلفية مشاركته بالحرب السورية إلى جانب النظام.
وهكذا، جمعت كوادر الحزب قراء العزاء، في كل محافظة، في قاعات كبرى ربطت تلفزيونيا في دائرة مغلقة مع الأمين العام للحزب، الذي أكد على هؤلاء ضرورة التزام أقصى درجات الحذر في التعاطي مع الخطاب الطائفي، مشددا أمامهم على ضرورة الحرص على عدم تخطي «الخطوط الحمر» التي رسمها لهم في لقاء دام أكثر من 4 ساعات كما أفاد مصدر لبناني مطلع «الشرق الأوسط».
وقسم «حزب الله» هذا العام المناطق اللبنانية إلى فئات عدة، أولها المناطق الشيعية الخالصة التي حاز خطباء المجالس فيها أكبر قدر من الحرية «المسؤولة»، ثانيا المناطق الإسلامية المختلطة التي يكون الأكثرية فيها من الشيعة، وعلى هؤلاء الحرص على الخطاب المعتدل المتوازن، على أن يحرص القائمون على مجالس التعزية على عدم تشغيل مكبرات الصوت، أو رفع لافتات قد تشكل حساسية لدى البعض، أما ثالث هذه المناطق، فتلك التي يشكل فيها الشيعة أقلية، وهذه مناطق منع فيها الحزب أنصاره من إقامة مجالس العزاء أو رفع اللافتات أو غيرها. أما الفئة الرابعة، فهي فئة المجالس المنقولة على المحطات التلفزيونية التي يحتمل أن يستمع إليها الناس جميعا، في لبنان وخارجه، وهي فئة وضعت عليها أكثر القيود.
وتقول المصادر إن نصر الله خاطب المجتمعين، مشددا على تفادي «الغلو» وتحاشي الذهاب بعيدا في أي خطاب ذي طابع طائفي، كما حذرهم من المس بأي شكل من الأشكال بشخصيات يقدرها أبناء الطوائف الأخرى.
ورغم أن الأمين العام لـ«حزب الله» طمأن جمهوره في أولى خطاباته في ليالي عاشوراء بأن التهديدات الأمنية أقل مما كانت عليه العام الماضي، فإن ذلك لم يمنع قيادة الحزب وحركة أمل، الحليفة له، من اتخاذ إجراءات استثنائية، بعد تهديدات أطلقتها «جبهة النصرة» وتنظيم داعش لاستهداف مناطق نفوذ «حزب الله»، على ضوء تورطه في سوريا.
لكن تلك التهديدات لم تقلص عدد المجالس والمسيرات، كما لم توحّد أنشطة الحزب و«حركة أمل» ولم تحصرها في مكان واحد لتخفيف الخسائر في حال استهدافها، بل قررت القيادتان رفع عدد الأنشطة وتكثيفها في المدن والبلدات الشيعية لكي «توجه رسالة تحدّ لداعش وتهديداته»، كما تقول مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط».
ويقول سكان الضاحية إن المئات من عناصر «حزب الله» «ينتشرون باللباس المدني في أحياء الضاحية الجنوبية بالتزامن مع بدء مراسم عاشوراء، لمراقبة الشوارع المحيطة بالكثير من المراكز الدينية التي سيجري إحياء هذه المراسم داخلها». ويقول أحد السكان لـ«الشرق الأوسط» إن العناصر «يحملون أجهزة اتصالات لاسلكية، كما أن بعضهم كان يحمل سلاحا خفيفا غير ظاهر». ويضيف هؤلاء أن الحزب «كثف من الاعتماد على كاميرات المراقبة التي ركزت على معظم مداخل الشوارع المؤدية إلى التجمعات والحشود التي تشارك في المناسبات».
وكثف الحزبان الشيعيان البارزان في لبنان، «حزب الله» وحركة أمل، من إجراءاتهما الأمنية في مناطق نفوذهما في الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق جنوب لبنان والبقاع (شرق لبنان)، لمواكبة إحياء مناسبة عاشوراء التي تحشد عشرات آلاف الأشخاص في الضاحية وحدها. وتأتي تلك التدابير بموازاة هاجس أمني تعيشه تلك المناطق على وقع شائعات تقول إن الضاحية ومناطق أخرى معرضّة للاستهداف بأعمال إرهابية وتفجيرات، ما دفع «حزب الله» بشكل خاص إلى رفع وتيرة الاستعدادات الأمنية واللوجستية الاستثنائية، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الحكومية لمنع حصول أي طارئ.
وبينما شدد الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي من إجراءات التفتيش والتدقيق بالهويات على مداخل الضاحية الجنوبية، ظهرت عناصر للحزب و«أمل» في مناطق مختلفة، بلباس عسكري وسلاح ظاهر، يقفون على مداخل الشوارع المغلقة في الضاحية، فيما أقيمت حواجز تفتيش وتدقيق بالهويات على المداخل الرئيسة للضاحية. وبالتزامن، تقلصت مداخل الضاحية إلى حدود الـ80 في المائة في أوقات إحياء مجالس عاشوراء، وخصوصا في الفترة الممتدة من السادسة مساء إلى العاشرة والنصف ليلا.
وتطال الترتيبات الأمنية التدقيق والتفتيش الذي «يطال أدق التفاصيل». ووصف شهود عيان إجراءات «حزب الله» بـ«المرعبة لأعدائهم»، إذ يؤكد أحد السكان أن «عناصر الحزب يملأون أسطح الأبنية أثناء إحياء المجالس، ويراقبون الشوارع البعيدة والقريبة مستخدمين آلات مراقبة حديثة». واللافت هذا العام، بحسب السكان، أن عناصر الأمن «ليسوا من عناصر التعبئة التابعة للحزب، بل يشارك في المهمة عناصر من قوات النخبة في الحزب المتخصصين بكشف العبوات والمتفجرات».
وتشارك القوى الأمنية اللبنانية من «قوى الأمن الداخلي» و«الأمن العام» في العمليات الأمنية، إلى جانب الجيش اللبناني الذي ينفذ انتشارا مكثفا بالتزامن مع مواعيد بدء الجالس، حتى انتهائها، واستحدثت حواجز تفتيش دقيق للمارة والسيارات على المداخل المؤدية إلى مراكز مجالس العزاء والمسيرات.
وتشمل الترتيبات الأمنية، مشاركة اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية. ويؤكد رئيسه محمد الخنساء لـ«الشرق الأوسط»، أن «بلديات الضاحية تقوم بدورها الطبيعي بالوقوف إلى جانب القوى الأمنية والجيش اللبناني فيما يخص الترتيبات الأمنية لإقامة مجالس عاشوراء»، موضحا أن «شعارنا حفظ أمن المجالس وسلامة المشاركين فيها». ويتابع: «المجالس قائمة وستستمر رغم المخاوف، ومن حقنا أن نمارس أعمالنا الدينية»، مشيرا إلى أن «الجموع هذا العام بدأت تتوافد وبدا واضحا أنها أكثر كثافة من الأعوام السابقة».
وتكرر مراسم أحياء عاشوراء في كل عام، لكن الإجراءات الأمنية، لم تُتخذ بهذه الكثافة، إلا في العام الماضي وهذا العام، بعد تفجيرات استهدفت مناطق نفوذ «حزب الله»، وأسفرت عن وقوع ضحايا في الفترة الممتدة من مايو (أيار) 2013. حتى مارس (آذار) 2014. وفي حين يصف «حزب الله» إجراءاته بالطبيعية، تشير التدابير المتخذة على الأرض إلى حذر شديد.
هذا الواقع، ينعكس على مدن ومناطق جنوب لبنان. وأصدرت البلديات في تلك المناطق قرارات بمنع تجول الدرجات النارية من السادسة مساء حتى ساعات الصباح الأولى. وهي جزء من إجراءات احترازية تواكب ذكرى عاشوراء.
ففي مدينة النبطية، تكثفت الإجراءات المماثلة، كذلك في القرى التي تشهد تجمعات كبيرة، مثل مجدل سلم في قضاء مرجعيون. ويشير رئيس البلدية عبد علاء الدين، إلى أن هناك «حذرا شديدا مع زيادة التهديدات التي تطال أي مكان توجد فيه المقاومة» في إشارة إلى «حزب الله»، مؤكدا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن قرى الجنوب «تستعد بالشكل المطلوب لحماية المناطق بالتنسيق بين الأهالي والقوى الأمنية ومخابرات الجيش والقوى السياسية الموجودة». ويوضح أنه «رغم استبعادنا أن تكون قرى الجنوب هدفا للعبوات والتفجيرات، لكننا نتخذ إجراءات احترازية لأننا اعتدنا أن نتعاطى بشكل جدّي مع عنصر المفاجأة».
ويشير علاء الدين إلى أن الترتيبات الأمنية «تشمل أيضا منع النازحين السوريين من التجول أثناء فترة انعقاد المجالس، أو اقترابهم من المراكز الحسينية، والمسيرات، والتدقيق بأوراق الغرباء عن المنطقة»، كما «لا يكمن أن تركن سيارات إلا على بعد كيلومتر واحد أو أكثر من التجمع».