بدأ الوقت يدهم الحكومة اللبنانية في تحديد المسار العام للتفاوض لإطلاق العسكريين المخطوفين لدى «جبهة النصرة» و «داعش»، في ضوء الاستعداد الذي أبدته تركيا وقطر للسعي من أجل الإفراج عنهم، وهذا يفترض أن يتصدر الموضوع جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية التي تعقد الخميس المقبل برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام لأن هناك – كما تقول مصادر وزارية – لـ «الحياة»، ضرورة تملي على الحكومة التوافق على خريطة طريق تفتح الباب أمام التفاوض لأنه من دون تحديد سقف لا يمكن توفير الزخم للوساطة التركية – القطرية التي تنتظر من لبنان الرسمي ان يقول كلمة الفصل في مسألة التفاوض.
وعلمت «الحياة» من مصادر وزارية أن الاستعداد التركي – القطري للقيام بوساطة لإطلاق العسكريين المخطوفين يبقى بمثابة رغبة لن تترجم الى خطوات ملموسة ما لم تقترن بموقف واضح من الحكومة التي ستوضع في جلسة الخميس أمام اختبار لمدى إجماعها على تأييد التوافق، وهذا يستدعي من «تكتل التغيير والإصلاح» برئاسة العماد ميشال عون ان يعيد النظر في موقفه الرافض للتفاوض. (للمزيد)
وأكدت المصادر نفسها انه لن يكون في وسع الحكومة الهروب الى الأمام لتفادي مشكلة التفاهم على موقف موحد من التفاوض وباتت مطالبة بأن تحسم أمرها لأن من غير المنطقي أن تنطلق الوساطة القطرية – التركية من دون إجماع لبناني يؤيد التفاوض. وقالت إن المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم يستعد للتوجه الى أنقرة والدوحة، لكن التسريع في تحريك هذه الوساطة يتطلب احاطته بموقف موحد من الحكومة اللبنانية وإلا فإن التواصل سيبقى يراوح في حلقة مفرغة. ولفتت الى ان طلب وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق نقل مخيمات النازحين السوريين من بلدة عرسال البقاعية وأطرافها الى منطقة أخرى للحد من التداخل بين النازحين والمجموعات المسلحة المتمركزة في جرودها سيطرح في مجلس الوزراء، سواء أدرج على جدول أعمال الجلسة أم لم يدرج. وقالت إن وزراء في الحكومة ينتمون الى «تكتل التغيير» و «حزب الله» سيعترضون على الطلب مع ان هناك ضرورات أمنية تتطلب محاصرة الارتدادات المترتبة على التداخل بين هذه المجموعات والنازحين وبالتالي من حق وزير الداخلية أن يتقدم بهذا الطلب. وكان النائب في تيار «المستقبل» جمال الجراح كشف عن أن مسؤولين من الألوية التابعة لـ «الجيش الحر» المعارض للنظام في سورية اضطروا للتدخل لدى «جبهة النصرة» لمنع قتل العسكريين بعد التوتر الذي حصل في عرسال وان الأخيرة أعطت وعداً في هذا الخصوص افساحاً في المجال أمام بدء المفاوضات للإفراج عن هؤلاء العسكريين. في هذه الأثناء كان لزعيم «المستقبل» الرئيس سعد الحريري موقف من البيان الذي قدمه الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الى مجلس الأمن الدولي احتجاجاً على ما سماه «انتهاك الجيش اللبناني لحقوق الإنسان والاعتداء على النازحين في عرسال» اعتبر فيه ان هذا البيان لم يكن في محله «بكل المعايير التي نريدها ان ترعى العلاقة بين الإخوة والأشقاء».
وإذ رأى الحريري ان الصور التي وزعت عن الاقتحام الأخير لمخيمات النازحين كانت مسيئة ولا يصح أن تتكرر أو ان تكون نموذجاً للعلاقة بين اللبنانيين والسوريين، أكد في المقابل ان ذلك لا ينفي حقيقة ان القوى العسكرية اللبنانية تتحرك تحت وطأة مخاطر وتحديات داهمة تفرضها المجموعات المسلحة التي تستقوي على الجيش واللبنانيين بأرواح العسكريين المخطوفين وتريد لمخيمات النازحين ان تكون ظهيراً قوياً لها للضغط على الحكومة اللبنانية وجيشها، وأخذ على الائتلاف ان بيانه خلا من أي إشارة الى إطلاق العسكريين. وكان لافتاً أيضاً موقف الوزير المشنوق من الرايات التي رفعت في عدد من المناطق تضامناً مع النازحين السوريين، قال فيه إن هذه الرايات ليست راية المسلمين ولا الكلام الذي قيل مقدساً عندما يذبح عسكري لبناني تحت العلم الأسود، وان الذين ساروا في طرابلس لا يمثلون المدينة وأهلها لأن ما قاموا به هو اعتداء على المدينة والإسلام وهو تشويه للدين. «في إشارة الى علم داعش».
وتزامن موقف الوزير المشنوق مع موقف للوزراء ونواب وفاعليات طرابلس الذين أكدوا في اجتماعهم الطارئ مساء أمس ان طرابلس ليست حاضنة للثقافة «الداعشية» وان الذين ادعوا وقوفهم الى جانب النازحين السوريين كانوا بالعشرات. ولفتوا أيضاً الى ان المدينة تدعم هؤلاء النازحين، وشددوا على تفعيل الخطة الأمنية في طرابلس وضرورة دعم الجيش والقوى الأمنية بلا تحفظ والإسراع في تحرير العسكريين، انما في موقف وطني موحد يبدأ أولاً بالحكومة.