IMLebanon

«المشايخ والفلاحِين» في معركة غوسطا

إشتعلت المعركة الإنتخابية في بلدة غوسطا الكسروانيّة، وتخطّى حجم التجييش المعارك النيابيّة، وقد دخلت عوامل عدّة أجَّجت الصراعات القديمة، ووصلت الى حدّ «نبش» التاريخ والعودة الى الجذور.

في خضمّ التحضير للمعركة البلدية في بلدة غوسطا يبدو لافتاً أنّها تأخذ طابع الاستفتاء الحقيقي لمفاعيل اتفاق معراب الذي وُصف بالتاريخي والذي يأخذ كل أبعاده في أشكال التحالفات التي بدأت تظهر إلى العيان والتي تكتسب حدة غير مسبوقة.

فالمعركة هي استفتاء للاتفاق في إحدى أكبر الحواضر المارونية في قضاء كسروان – الفتوح، والتي لعبت منذ القديم دوراً ريادياً على مستوى تشكيل الرأي العام المسيحي فيه.

وفي الواقع لم تسلك معركة غوسطا طريق النزاعات العائلية التقليديّة مثل غالبية البلدات، ولم تأخذ طابعاً سياسياً ممزوجاً بالعائليّة مثل زحلة وجونية وتنورين، إنّما ذهبت الحملات الإنتخابية إلى أبعد ممّا يتصوّره العقل الإنتخابي. لقد تمّ استحضار الصراع التاريخي في كسروان بين المشايخ المتمثّلين بآل الخازن والفلّاحين بقيادة طانيوس شاهين، وباتت المعركة الإنتخابية بين لائحتين تتبادلان الاتهامات وتستخدمان شعارات قديمة على رغم ضمّهما أحزاباً وعائلات.

وفي هذا السياق، يتساءل المراقبون عن موقع نقيب المقاولين والقيادي السابق في حزب «الوطنيين الأحرار» المهندس مارون الحلو في هذه المعركة الحامية ولا سيما أنه كان أوّل من واجه نفوذ آل الخازن في معارك بلدية سابقة؟

شكّلت غوسطا تاريخياً إحدى أهم مقرّات آل الخازن، وعلى رغم أنّ نفوس النائب السابق فريد هيكل الخازن في غدير، لكنّه يعتبر أنّ غوسطا بلدته لأنّ أصله منها، وقد أغدق على أهلها الخدمات ما أكسَبه شعبية.

وفي خضمّ معركة إثبات الوجود بين القوى المسيحيّة بعد اتفاق معراب، تشكّلت الصورة الإنتخابيّة بحيث تحالف الخازن مع الكتائب وبعض العائلات، بينما ثبّتت «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ» تفاهمهما معاً وشكّلا لائحة تضم ممثلين عن العائلات والفاعليات في غوسطا في وجه رئيس البلدية الحالي زياد شلفون المدعوم من الخازن والكتائب.

يتفوَّق الخازن بالخدمات ويُحاول كسب تأييد أهالي البلدة البالغ عددهم نحو 3100 ماروني مسجّلين على لوائح الشطب سينتخبون بلدية مؤلّفة من 15 عضواً، في حين تُحاول لائحة الثنائي المسيحي الإضاءة على ما تعتبره تجاوزات البلدية وتسخيرها لخدمة مصالح الخازن الخاصة وليس لمصلحة البلدة.

التنافس

«إنني فلّاح وأهلنا عملوا في الأرض ونحن نفتخر بذلك»، بهذه العبارة يُعلّق رئيس اللائحة المدعومة من «القوّات» و«التيار» اندريه قزيلي على الأجواء السائدة في البلدة، وعودة مصطلح فلّاحين ومشايخ.

وإذ يستغرب «نبش» الفريق الآخر تعابير مماثلة، يؤكّد قزيلي لـ«الجمهوريّة» أنهم «استعانوا بهذه العبارات في حملتهم الإنتخابية من أجل شدّ عصب جماعتهم، فلا نَخجل بأنّنا فلاحون ونحن متمسّكون بأرضنا»، لافتاً إلى أنّ «المعركة في البلدة ضُخّمت بشكل كبير، فهم يقولون إننا نريد أخذ البلدة، فهل غوسطا مكتوبة باسمهم؟».

ويوضح أنّ «لائحتنا مدعومة من «القوّات» و«التيار»، فيما الإحصاءات تدل الى أنّ المعركة متكافئة، فقد ترشّحنا لإنماء البلدة، وسنُعلن لائحتنا في نهاية الأسبوع مبدئياً»، مذكراً بـ«أننا خضنا الانتخابات الأولى الى جانب حزب الكتائب، أما في انتخابات عام 2010 فقد شعرت جماعة الخازن أنها لا تستطيع الحسم بمفردها فضمّت إليها حزب الكتائب وفضّلته على بقية الأحزاب».

التداخل

تداخلت العوامل السياسية بالعائلية، وباتت العناوين الأساسية للمعركة إثبات الوجود، إذ تُمثّل كسروان بالنسبة إلى الكتائب منطقة حيويّة، وبما أنّ الكتائب فضّلت التحالف مع العائلات والقوى المحليّة، فإنّها وجدت في تحالفها مع الخازن عنصر ارتياح لمواجهة «القوات» و«التيار».

وفي هذا الإطار، يوضح مسؤول قسم غوسطا الكتائبي ونائب رئيس البلدية غبريال خويري: «نحن مرتاحون في المعركة ومتحالفون مع الخازن على رغم أنّ الطابع العائلي يطغى»، معتبراً أنّ «التيار» و«القوّات» يريدان إقفال البيوت السياسية مثل بيت فريد هيكل الخازن».

ويلاحظ خويري أنّ «وجود «القوات» في البلدة ضعيف على رغم قربها من معراب، وشعبية «التيار» تتراجع، وليس لديهما حظوظ وسيخسران»، مشدداً على أنّ «الناس يميلون في النهاية الى العائلات في كل بلدة».

ويشدّد خويري على أنّ «البلدية حقّقت الإنماء ووقفت الى جانب الناس ومنزل الخازن مفتوح للمواطنين، وبلدتنا لم تشعر بأزمة النفايات لأننا نبني معملاً متطوّراً بقيمة 4 ملايين دولار، كذلك قمنا بتأمين باص للنقل العام داخل البلدة، فيما لم نرَ شيئاً من بقية الأفرقاء». ويرى أنّ «دعم الكتائب والخازن للبلدية سهّل مهماتها في إدارات الدولة، لذلك نؤمّن الخدمات للبلدة».

الإبتعاد

خاضت «القوّات اللبناينة» الإنتخابات النيابية عام 2009 متحالفة مع الخازن في كسروان، بينما تخوض الإنتخابات البلدية في غوسطا اليوم مع «التيار» في مواجهة حليفها الإنتخابي السابق.

ويؤكّد مسؤول «القوّات» في البلدة ابراهيم مناسا أنّ «الإنتخابات هي لإثبات وجودنا، فنحن الفلّاحون وأهل الأرض وهم يعتبرون أنفسهم المشايخ»، مشدّداً على أنّ «الإنتخابات في غوسطا هي تجسيد حقيقي لمفاعيل التوافق المسيحي بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، والذين يتكتّلون في وجه هذا التوافق بهدف إلحاق الضرر به، هم الذين يواجهون لائحة هذا التفاهم في بلدة غوسطا ويُضلّلون الناس ويستعملونهم حصان طروادة، لذلك نطلب من أهلنا في غوسطا التنبّه لهذا الموضوع لأنَّ المعركة هي بين من يَدعم التوافق المسيحي وبين من يقف ضده لأنهم متضرّرون منه ليس إلّا. لقد أردنا أن تكون المعركة وفاقية وقد قمنا بمحاولات عدة في سبيل ذلك، لكنها باءت بالفشل استناداً الى عدم رغبة الفريق الآخر في ذلك».

ويوضح مناسا أنّ «الخازن وأعضاء اللائحة المقابلة يتكلمون عن الإنماء، وهم منذ 18 عاماً لم يحقّقوا شيئاً، يريدون فقط إلغاءنا والقول إننا غير موجودين، مع العلم أنّ الاحزاب هي من تسعى الى الإنماء وقد عرقلوا مشاريع عدّة كنّا ننوي تنفيذها».

ويشير الى أنّ «البلدية تحوّل البلدة الى مزبلة من خلال معمل النفايات الذي سيستوعب 70 في المئة من نفايات كسروان، في حين بنى الخازن شققاً سكنية لأغراض خاصة، فيما تمنع بلديته عن أهالي البلدة الذين ليسوا من خطّه ومحسوبين عليه، وضع قرميدة او بناء حائط».

ويتحدّث مناسا عن تجاوزات البلدية وتصنيف الأراضي «غير العادل لصالح الخازن»، لافتاً إلى أنّ «حزب الكتائب الى جانب الخازن في حين كنّا على تحالف دائم معه على اعتبار أنّ مكانه الطبيعي معنا. فلماذا هذا التبدّل؟». ويرفض قول الفريق الثاني «إننا نكبّر المعركة، فلماذا إذاً ينزل الخازن بكل ثقله إذا كان هذا الاستحقاق صغيراً».

إمتحان الشعبية

شكّل «التيار الوطني الحرّ» عام 2005 تسونامي إنتخابياً في كسروان وربح 5 مقاعد نيابية، وجدّد فوزه عام 2009، لكن للبلديات حسابات أخرى، إذ لا يمكن للسياسة أن تُحدّد مسارها.

وفي حين كثر الكلام عن تراجع شعبية «التيار» في كسروان، يوضح منسّقه في غوسطا زياد مطر لـ«الجمهوريّة»: «نحن نخوض المعركة من اجل التغيير والمشاركة، فهم يعتبرون أنّ غوسطا لهم ولا يقبلون أن نشاركهم في القرار لكي لا نحاسبهم ونسائلهم»، نافياً كل الأحاديث عن «أنّ «القوّات» و«التيار» يريدان إلغاء الخازن، «فلو كنّا نريد الإلغاء لما عرضنا عليهم التوافق وهم رفضوا».

ويعتبر أنّ موقف الكتائب في غوسطا لا يعبّر عن اتجاه الحزب العام، «ففي زحلة تحالفوا معنا ونخوض المعركة سوياً»، مرجّحاً «ولادة اللائحة في أوّل أيار». ويلفت إلى أنّ «البلدية أمضت 18 عاماً ولم تحقّق أي إنجاز، وكل البلدات المجاورة وضعها أفضل منّا على رغم صغرها».

الحلو

من جهته، سعى مارون الحلو الى التوافق مرات عدة، لكنّ حدّة المعركة لم تسمح بنجاح مهمّته، ويقول لـ«الجمهورية»: «جمعتُ رئيسَي اللائحتين وقدّمت أفكاراً ومشاريع توافقية لكنّ الإصطفاف السياسي كان حاداً»، موضحاً أنّ «المعركة أخذت عناوين سياسية كبيرة، في وقت يجب أن تكون تحت عناوين إنمائية لأنّ غوسطا تحتاج الى إنماء، فهي بلدة كبيرة وتملك مقومات كثيرة لكنّ وضعها الإنمائي ليس جيداً ونشهد تقصيراً على هذا الصعيد، فيما تعتبر مجموعة أخرى أنه يجب حصول تداول للسلطة لأنّ عمر البلدية 18 عاماً».

وأمام هذا الواقع إختار الحلو الوقوف على الحياد، مشدداً على ضرورة «جمع أهالي البلدة بعد انتهاء المعركة»، معلناً أنّه «من أشدّ المؤيّدين لاتفاق معراب والمصالحة المسيحية لأنها جنَّبت المسيحيين مواجهات إضافية، وكسرت حدّة التوتّر، وموقفي من البلدية ليس له علاقة بالسياسة».

الترشّح مجدداً

لم يُبالِ رئيس البلدية زياد شلفون بكلّ الانتقادات، وقد شكّل لائحته منذ أيام ويستعدّ للمنازلة مع خصومه. وهو يقول لـ«الجمهورية»، رداً على الإتهامات، إنّ «كل الكلام الذي قيل عن التقصير الإنمائي ليس صحيحاً وهي معلومات مغلوطة، فأنا أقمت أكبر معمل للنفايات ولم تعانِ بلدتي من الأزمة التي ضربت لبنان، فهل يكون ذلك تقصيراً؟ علماً أنّ المعمل نال رخصة من وزارة البيئة».

وينفي شلفون «الاتهامات عن تغطية مشاريع خاصة للخازن»، موضحاً أنّ الخازن «لا يملك أيّ عقار أو شققاً سكنيّة في غوسطا»، معتبراً أنّ «ما يقال عن أنّنا لائحة مشايخ والآخرون فلّاحون ليس صحيحاً، وهذا كلام إنتخابي، فالشيخ فريد موجود، وهو بيت سياسي مثل كل العائلات، وهناك خازني في اللائحة المقابلة».

على رغم استحضار المصطلحات القديمة، واستعمال كل فريق كلّ أنواع الحملات، يتّضح أنّ انتخابات غوسطا البلدية هي استفتاء في شأن التوافق المسيحي، ومهما خفتت الصراعات التاريخية فإنها تعود مجدّداً، لكن في الوقت الخاطئ لأنّ الأولوية في الإنتخابات البلدية هي للإنماء وليس لنبش التاريخ… والقبور.