IMLebanon

انتخاب رئيس للبنان… خروج على «الإجماع»

لا فائدة ترجى… هؤلاء اللبنانيون مصابون بـ «لوثة» اسمها «رئيس الجمهورية»، لا تنفك تظهر بأشكال متعددة في سلوكهم وخياراتهم وطرق توافقهم وتناكفهم. تم تجريب مختلف الأدوية والعلاجات واللقاحات والابتكارات للقضاء عليها، فأخفقت جميعها. لم ينجح أيضاً خيار الاستئصال بالسيارات الملغومة والعبوات الناسفة وكواتم الصوت… لا يتغيرون، ولا تظهر علامات تبدل في أعراضها.

ثمة من زرع في عقولهم وأجسادهم هذه الرغبة في الاختلاف عن المحيط العربي والإقليمي، فحلّت عليهم لعنة قاتلة. وصار الجيران، من عرب وفرس، يمعنون في التنكيل بهم بسبب إدمانهم الذي لا شفاء منه على انتخاب رئيس، حتى لو كانوا يعرفون أن انتخابه شكلي أحياناً وليس نابعاً من إراداتهم ولا اختيارهم… تمسكهم بممارسة حق غريب عن المنطقة، ولو صورياً، يكاد يودي ببلدهم، وعلى رغم ذلك يصرون عليه ويقاتلون من أجله ويتقاتلون بسببه.

في العالم المحيط بهم، المرشد يحكم إلى أن يموت، والرئيس يحكم إلى أن يموت… لا تبديل ولا تغيير سوى بالموت. أما هم فمصرّون وحدهم، على رغم ضعفهم الاقتصادي وهزالهم السياسي وضآلة جغرافيتهم ومواردهم، على أن يكون لهم رئيس مختلف كل ست سنوات.

قبل عقود، حاول بعضهم إقناع أحد الجنرالات الرؤساء بتجديد ولايته فرفض خوفاً من أن يساويه التاريخ بغيره من معاصريه… وعندما مدّدت سورية لجنرال آخر من صنعها احتج معظم اللبنانيين، وانتهى الأمر باغتيال صانع سلْمِهم رفيق الحريري، من بين أسباب أخرى لإبعاده نهائياً.

لبنان اليوم بلا رئيس منذ ما يقارب السنتين، عقاباً له على رغبته الدائمة في التميّز… والعقاب متنوع: أتباع إيران يرون أنه لا ضرورة لرئيس في بيروت طالما هناك رئيس في دمشق وولي فقيه في طهران، ويقطّعون الوقت بطرح اسم أقرب حلفائهم، لكنهم يفعلون ما بوسعهم لمنعه من الوصول. وأتباع دمشق يفضلون أن يكون الرئيس أقرب إليها من طهران «حفظاً للتوازن» مع النافذين على الأرض، ويحرصون على ربط انتخابه بما سيؤول إليه مسار الاحتراب في سورية.

لكنّ الطرفين مقتنعان أصلاً بأن انتخاب رئيس لبناني «ترف» غير ضروري، وأن حاكم دمشق يكفي لإدارة البلدين.

أما معارضو الوصايتين السورية والإيرانية، فقليلو الحيلة وخياراتهم شبه منعدمة، ويناور بعضهم في هامش ضيق بهدف الحفاظ على موقع الرئاسة، بغض النظر عن الأشخاص وأهوائهم.

خطاب التأسف الدولي لا يُجدي كثيراً، وزيارة هولاند الأخيرة لم تحمل مبادرة إنقاذ مثلما تنبأ عديدون. غادر بعدما «أخذ علماً» بالواقع السياسي: الطرف المسلح والمسيطر لا يرى خللاً في «إقصاء» الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي، وفي استمرار الفراغ كي لا تزيد «المرجعيات» واحدة، ولو في الشكل.

وحين يزداد الضغط على «حزب الله» لتخفيف قبضته عن البرلمان والسماح له بالانعقاد والانتخاب، يلوح بـ «المجلس التأسيسي» الذي ينسف سلام الطائف، أو يرمي للضاغطين «كرة» الانتخابات البلدية لإلهائهم وإعادة بعثرة صفوفهم.

وسيظل الوضع على حاله إلى أن «يقتنع» اللبنانيون بالتخلي عن «هاجس» الرئاسة والرئيس، وبأن استمرار خروجهم على «الإجماع» برفضهم التقليد السائد من حولهم، قد يؤدي الى حرمانهم من كليهما الى الأبد.